علي العقباني
يعيش المسرحيون السوريون رغم كل التحديات التي تواجه الثقافة عموماً في بلادنا والمسرح بشكل خاص، على أمل بقائه واستمراره في هذه الأوضاع الصعبة، وإذا نظرنا إلى المسارح في دمشق فلن نجد سوى مسرحين "القباني والحمراء"، ويقعان وسط العاصمة، والطريف أنهما صمما تحت مستوى الشوارع الرئيسة، فيبدوان كقبوين بائسين رطبين لولا تلك العروض التي تعتلي خشباتهما، وهناك أيضا مسرح الدراما وقاعة دار الأوبرا، وأخرى صغيرة في المعهد العالي للفنون المسرحية.
ربما ينظر البعض إلى عدد من المسارح في المراكز الثقافية التي لا تصلح لإقامة عرض لضعف الامكانيات والتجهيزات التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود، فضلا عن عزوف الناس والفنانين أنفسهم عن المسرح، بسبب قلة الأجور.
كما ولا يعني أن نرى في كل موسم عروضا أننا في رفاه أو حركة مسرحية، رغم محاولات مديرية المسارح في رفع أجور العاملين والممثلين، إلا أنها مهما أصبحت لم تعد تكفي ولا تسد جوعا، ومع ذلك فإن المسرحيين السوريين يتغنون دائما بحبهم للمسرح وحنينهم للوقوف على خشبته.
ربما قد تكون عروض المعهد العالي للفنون المسرحية هي الأكثر استقطاباً وحضوراً في المشهد المسرحي السوري، لأن العمل عليها يجري من قبل طلاب ومدرسين مدربين عاملين في المعهد، ولكن المسرح ليس بخير كما هو حال السينما والكتاب والثقافة والحياة والمستقبل والحلم أيضاً، ولذلك فإن العمل اليوم يجب أن ينصب على إعلاء شأن الثقافة والفنون والعلم والمعرفة لمواجهة قوى الجهل والإرهاب والتطرف من جهة، والفساد والافساد من جهة أخرى، فالمعركة القادمة حضارياً ربما تكون نحو الإنتاج الثقافي والمعرفي والإنساني لمواجهة طوفان الجهل وطوفان الميديا وعصر الذكاء الاصطناعي والتطور الحاصل في هذا الشأن.
اليوم يستعين المسرح والمسرحيون بالوسائل الممكنة للدفاع عن وجودهم ضد صراع غير متكافئ، وتلك حقيقة يجب أن نعترف بها، محاولين البحث عن وسائط وامكانيات ربما تلجأ إلى التقنيات العصرية من "إضاءة وفيديو آرت وبصريات متحركة"، أو الى المسرح البسيط أو الفقير. وربما المغرق في فقره البصري ذاهباً نحو قدرة وامكانيات الممثل والحكاية على استقطاب الجمهور للحضور الذي ما زال يرى في المسرح فرجة سحرية خاصة تذهب بشغفه نحو حدود لا متناهية.
ولكن، يمكن القول إنه لا خوف على المسرح كفن وحالة ووجود وكوسيلة اتصال معرفي وجمالي وفكري مباشر من أن تهزمه لحظة تاريخيّة بائسة ومحبطة، برغم الإنجازات والاختراعات البشريّة، وربما يأتي الخوف الحقيقي عليه من ترهل مؤسساته والعاملين فيه، ومن عدم الايمان فيه، كفعل وحضور ثقافي ومعرفي فاعل ومؤثر ومهم في حياة الشعوب وتقدمها.
نحتاج المسرح في الأمس واليوم وغداً، نحتاجه بكل أشكاله وألوانه وتطلعاته وأحلامه وآلامه، خشية أن يعود ذلك اليوم الذي نرى فيه أبو خليل القباني جاثياً على ركبتيه وعيناه تلتمعان بدموعه التي تتلألأ بانعكاس لهيب مسرحه بعد أن قام الجهلة بإحراقه.