العدوان على غزّة وما بعده

قضايا عربية ودولية 2024/04/02
...

علي حسن الفواز



ماذا بعد العدوان على غزّة؟ وهل سيفكّر الزعماء الصهاينة بعدوان جديد، وعلى مكان آخر؟ وهل ستكون مرحلة السلام القلقة أفقاً للاعتراف بالحقوق الفلسطينيَّة؟

هذه الأسئلة القاسية ستكون باعث قلقٍ دائم لحكومة الكيان الصهيوني، وللولايات المتحدة أيضاً، لاسيما بعد أن يتمّ الكشف عن المخفي من ملفات العدوان على غزّة، ومنها التقارير التي تتعلق بالمجازر الجماعية، والاغتيالات السرية، وبما جرى في مدن القطّاع، وآخرها في مجمع الشفاء الطبي، بعد إحراقه وخروجه عن الخدمة، حتى باتت “حرب الهستيريا” وكأنها العنوان الكبير لكل هذه الجرائم المفتوحة، وللمواقف التي يطلقها البعض من السياسيين الأميركان والغربيين.

ما بعد العدوان هو ليس ما قبله، فالفضائح الصهيونية كشفت عنها الوقائع، والجرائم أيضاً التي ارتكبت بحق المدنيين، حتى بات الأمر تمثيلاً للسياسة التي تمارسها حكومات الكيان الصهيوني، والتي علقت سلوكها ومواقفها، بنظرتها المرضية للحروب، وللعنف الإكراهي، لكن ما حدث في غزّة كان صدمة “سريرية” أيقظت هذا التاريخ البشع، وفضحت أوهامه، وأفشلت المشروع “العسكري” و”المخابراتي” في إحراز أي “نصر” بالمعنى الستراتيجي، وحتى التفكير الصهيوني بعدوان جديد، وعلى مكان آخر، إذ ستكون الحسابات أكثر صعوبة، وتعقيداً، رغم أنَّ ما يحكم الطبيعة العدوانية للسياسات الصهيونية” منذ بن غوريون وغولدا مائير وإسحق شامير إلى نتنياهو، هو “اللاوعي المرضي الوسواسي” الذي يتحكم بقرارات زعماء الحرب، ويدفعهم إلى ارتكاب الجرائم تحت يافطات الوهم الأمني 

والتاريخي.

ما جرى في غزّة من عسكرة شوهاء، ومن سياسات خرساء، فضحت “المجتمع الدولي” ومواقف الغرب، فكان الحدث مجلجلاً وصادماً، وأظنه يقف وراء موقف الولايات المتحدة بتعليق استخدامها الفيتو، لكي يتخذ مجلس الأمن الدولي قراره بإيقاف إطلاق النار، تغاضياً عن الإحراج في مواجهة الجرائم التي ارتكبت، وخارطة القتل المفتوح والمُتعمد، وأحسب أنَّ أي فكرة عن “السلام” والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ستكون مقابلة لفرض النسيان على ما جرى في ليالي غزة السود، والدعوة إلى تعطيل الذاكرة ومحوها، وحتى لإعادة تأهيل “المزاج الصهيوني” لتجاوز عقدة الخيبة في هذا العدوان، لأنَّ ما حدث لم يكن سهلاً، على المستوى الميداني، حيث قُتل العشرات من “ضباط وجنود” الاحتلال، وربما فاقت أعدادهم قتلى حروب حزيران 1967 وتشرين 1973، وعلى المستوى الرمزي، حيث انتهت “هيبة” الكيان، وأوهام قوته الخارقة، ونظريته المتعالية لثنائية الهزيمة والانتصار.