ضحى عبدالرؤوف المل
تتزين العلاقات الإنسانية بالكثير من الخبايا المرتبطة بجدليات طبية، رغم الاعتراف بآفة تأجير الأرحام على الصعيد العالمي قبل المحلي، وفي البلدان العربية لما تحمله من تطرف في سوق الإنجاب إن صح القول، والرفض الاجتماعي والطبي قبل الديني والإسلامي. لأنه بمثابة العنف ضد المرأة في مقلب آخر إلا أنه ينتمي بشكل أو بآخر للأثرياء في عالم الإنجاب غير الشرعي القائم حتى على بيع الأطفال.
رغم أن مسلسل “صلة رحم” الذي كتبه “هشام عبية” وأخرجه” تامر نادي” طرح أيضاً قضية الإجهاض السرية المزينة بالكثير من المصطلحات النسوية، والتي تنطوي على العلاقات المحرمة والنتائج القائمة على ما تقدمه المرأة في المجتمعات كافة وليست العربية فقط.
إلا أنها في المسلسل فتحت الباب على سؤال جريء هو عندما تخسر المرأة رحمها في حادث ما أو بسبب خطأ طبي وما زالت البويضات متواجدة ما الذي يمنعها من الإنجاب سوى أنها غير قادرة على احتضان جنين في رحمها، وهذه أكبر مساوئ العالم الطبي في العصر الحديث، لأنه يتسبب باختلاط انساب حتى وإن تم التلقيح من الأب والأم قبل الزراعة في الرحم الذي سيحمله .
فهل تنطوي قصة مسلسل “صلة رحم” على ثلاثية التضحية بالطفل والرغبة بإنجابه وتضحية الأم الحاضنة، التي تحمل به لأشهر وتلده ومن ثم تصبح غير قادرة عن الابتعاد عنه، وهي ليست أمه البيولوجية وقبل كل شيء فقدان الكرامة اجتماعيا في مجتمع يرفض ذلك كليا؟ أم أن بيع المرأة لرحمها من المساوئ الإنسانية التي لا يمكن القبول بها؟ ومن يحرر المرأة من العنف الطبي والنفسي والاقتصادي لما تحمله هذه الآفة من مزايا اقتصادية قائمة على الاتجار بالأطفال؟ وهل الطب النفسي الذي رمز له الكاتب بدور الفنانة يسرا اللوزي وهي الطبيبة النفسية التي فقدت رحمها يشير إلى ذلك؟
حقيقة قصة المسلسل محبوكة بعاطفة قوية قائمة حتى على الأثر النفسي الذي يصاب به الأب عند الزواج بأجنبية استطاعت أخذ ولده والخروج به من بلده إلى بلدها، وهذه قضية أخرى تركها الكاتب مفتوحة على صراعات جدلية مفتوحة قبل قصص تأجير الأرحام وبيع الأطفال والإجهاض، الذي يضر بالكثير من النساء اللواتي قد يفقدن حياتهن من أجل ذلك، بينما هناك امرأة أخرى تتعالج نفسياً لأنها فقدت القدرة على الإنجاب دون أن ينسى الدور الطبي في كل ذلك.
وهذا على مستوى عالمي قبل أن يكون على مستوى مصري أو حتى عربي. فما يضر المرأة هو قائمة طويلة، ومن أولياتها في عصرنا هذا بات تأجير الأرحام الذي يضر بالأطفال أيضاً ويمس بكرامتها.
وبكرامة المرأة أولا قبل أي طرف آخر في العالم برمته. لهذا ما قامت المرأة الحاضنة للجنين في المسلسل مرفوض قطعا من وجهات نظر مختلفة، لأنها قامت بالإجهاض لطفلها الشرعي من زوجها الفعلي لتؤجر رحمها للطبيب الذي دفع لها ما يمنحها العيش في البيت كامرأة تنعم بطيب العيش. فهل يطرح الكاتب قضية أخرى بشكل مبطن وهي الاهتمام بتأمين عيش المرأة بكرامة في حال تعرضت للطلاق أو لسوء معاملة الأهل والزوج؟ أم أن العنوان صلة رحم قائم على كل مفردة تعني ذلك الاهتمام بأفراد العائلة ذات الصلة الفاعلة من الأب والأم والأخوة وبعقلانية لا تحكمها العاطفة أو الدفاع عن قضايا الشرف التي ينتج عنها القتل أو الإجهاض أو بيع الأطفال وأخيراً تأجير الرحم مقابل مادي يؤمن احتياجات من تهرب من كل ذلك؟
المسلسل حقيقة من حيث التمثيل والإخراج استطاع إدخال المشاهد في بؤرة درامية تهدف إلى إثارة مواضيع نسوية طبية والسيطرة الأبوية أو الذكورية على كل ذلك، عبر طاقم متآلف وقدرة على منح المشهد طبيعة اجتماعية خاصة.
فالمشهد الأخير المبكي والعاطفي هو الذي استطاع إثارة زوبعة من التساؤلات في حال مات والد الجنين في الرحم المستأجر لمن سينتمي الطفل وما من زواج شرعي بينهما؟
ومن هي الأم التي ستكون شرعا وبالوثائق التي ستهتم بتربيته وتنشئته؟
فالمشهد النهائي في الحلقة الأخيرة ما بين الأم البيولوجية والأم الحاضنة برحمها وولادته تركت التساؤلات في حالة تعصف بما يؤكد أن قضية تأجير الأرحام هي من أهم القضايا التي تأكل حقوق المرأة وتجعل من الهيمنة الأبوية قوة لا يُستهان بها وبطل المسلسل هو الذي قام بالتلقيح من دون علم زوجته وهو يعمل في المجال الطبي .
أي إنه يدرك أن السيطرة على القدرة الإنجابية في سوق تأجير الأرحام لا يمكن فتحه عالمياً أي السماح به علناً.
فهو ما زال في جدلية كبرى ضمن الكثير من الدول، وليس عربياً فقط لما يحمله من انتهاكات تضر بالطفل قبل المرأة، وتجعل هذه السوق إنتاجية بعيدة تماما عن الإنسانية بجميع مفرداتها من رأفة وقبل كل شيء من صلة رحم.
فهل خرج الكاتب من مأزق طرح هذه القضية بتحويل البطل إلى مريض نفسي لجعل هذه القضية برمتها مازالت بحاجة لعلاج طويل وشائك؟