العراقيون وسايكولوجيا {اللهمّ إني صائم}

منصة 2024/04/04
...

لا أظن أنك في رمضانك هذا لم تقل مرّات (اللهم إني صائم) لحظة نغزك أحدهم بتعليق، أو أسمعتك زوجتك قولاً استفزك، أو أنَّ زميلك في العمل أو مديرك أسمعك ما لا تطيق له صبراً، أو رأيت في التلفزيون سياسياً تعرف أنه فاسد ويتحدث للناس عن الحلال والحرام، وأردت أنْ تسبه.. فما التحليل السايكولوجي لحالتك وحالة من يكون بمواقف تشبه مواقفك فيردد (اللهمّ إني صائم)؟.

التحليل السايكولوجي لهذه العبارة التي تخصُّ «اللسانَ» تحديداً، أنَّها تأتي لحظة يهمّ الصائم بقول شيء يعتقد أنَّه سيبطل صيامه، أو حين يكون في موقفٍ يدفعه الى التعليق كأنْ يريد أنْ يغتابَ أحداً، وقد يغتابه فعلاً ويجدُ في قوله (اللهمّ اني صائم) تبريراً لاغتيابه.

والمفارقة، أنَّ شيوع عبارة (اللهمّ اني صائم) تكشفُ لنا أننا في غير رمضان نكثر من الكذب والنفاق والغيبة والنميمة والألفاظ النابية، وعدم القدرة على التحكّم بغضبنا في تعاملنا مع الناس فنطلق العنان للسّان بقضم سمعة فلانة وفلان.

ويكاد العراقيون ينفردون بتعكر المزاج في رمضان، فالأحداث والفواجع وما عانوه في أربعين سنة من خيباتٍ متوالية وإحباطات، أتعبت أعصابهم ولم يعد في حوصلة أحدهم مكانٌ يتسعُ لها حتى في الأيام العاديَّة، فكيف إذا كانت معدته خاوية وريقه ناشفاً، ويعود ملطخاً بالطين بسبب أمطار غير مسبوقة أغرقت شوارع بغداد ومدناً عراقيَّة علمياً.

 إنَّ مركز الغضب في الجهاز الانفعالي يكون في أشدّ حالاته استثارة في رمضان، فإنْ سمع الصائم كلمة تستفزه من أحدهم فإنَّ مركز الغضب يرسل الى اللسان مفردات قد يكون بينها (الكفر) فيمنعه بقوله (اللهمّ اني صائم) قبل أنْ ينفلت. ومعلومة سايكولوجيَّة تفيدكم: إنَّ نرفزة الأعصاب وضعف السيطرة على التصرف لدى بعض الصائمين الناجمين عن هذين الوضعين النفسي والفسلجي، يرتبطان بآليَّة نفسيَّة نسميها (التحويل) ونعني بها أنَّ الأقوى (يفرّغ قهره) بالأضعف. فحين يعود الصائم من الدوام والدنيا (تزخ) مطر وتتأخر زوجته بفتح الباب، فإنَّه ما أنْ تفتحه، ينفجر بوجهها، ويلعن اليوم الأسود (العرّفني بيج.. وساعة السوده التزوجتك

بيها…). 

ويزداد نرفزة إنْ وصل بيته متأخراً من شدة الازدحام، أو أنَّ مديره وجّه له عقوبة في ذلك اليوم، فعندها (يا ويل زوجته منه)، سيفرغ بها قهر المطر والبرد والكهرباء والعقوبة، وينسى نفسه أنه صائم.والأم الصائمة تمارس أيضاً (تحويلاً)، فاذا انقطع الماء والكهرباء ولا تعرف ماذا تطبخ للفطور فيا ويل أطفالها منها، سوف تكفخ هذا وتصرخ بوجه ذاك وتلعن هي الأخرى (حظها المصخم). 

وفي تصرفها هذا (حكمة) لأنَّ أقل احتكاك بينهما قد يؤدي الى نشوب (حريق نفسي) ينجم عنه ما يجعل الأسرة تخسر ليس فقط المودّة بين أفرادها بل حتى صيامهم أيضاً.وللتذكير، كنا كتبنا في رمضان الماضي هنا في الصباح بالمكان  ذاته، أنَّ مزاج بعض الصائمين والصائمات في رمضان يكون (عكراً نزقاً) وأنَّ جهازهم العصبي، بفعل انخفاض مستويات السكر بالدم وجفاف الأعصاب وتغير إيقاع الساعة البيولوجيَّة واضطراب برنامج النوم المعتاد عليه الدماغ، يدفع صاحبه لا إرادياً الى أنْ يعملَ على خفض توتره، أسهلها عليه (التحويل) بأنْ يفرغ الأقوى قهره بالأضعف، ليس فقط بين الزوجين وأفراد الأسرة، بل وحتى بين الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكوميَّة والأهليَّة.

فهل التزمنا في رمضاننا هذا بتلك النصيحة؟

مبارك لكم صيامكم وخالص التهاني بعيدكم.