وارد بدر السالم
(1) بعيداً عن المدارس الفنية في مفاهيمها النظرية والتطبيقية، تُعد الفطرة معْبراً طبيعياً في المفهوم الواقعي، كونها موهبة عفوية أنتجتها بيئة معينة. ونرى أن الفنان حينما يبتعد، لنقلْ يتجاوز، الأساليب الأكاديمية المتعارف عليها فأن محدّدات النظريات ربما تكون ذات رؤية نقدية أكثر من كونها إطاراً يجمع تفاصيل اللوحة. وبالتالي يجنح بعض الفنانين الى تجاوز القيمة النقدية الحاسمة الى القيمة الجمالية التعبيرية. وهو ظن قد يكون معقولا.
مثلما هو أمر يحدث دائماً أن يكون الرسم عفوياً بفطرة تعبيرية لحاجة واقعية جمالية.
لكن أن تكون الفطرة ملهِمة، فإن الدروس الأكاديمية تغذّيها وتنمّيها، لتتحول الفطرة الى مذهب فني يؤطره نقاد الفن بمفهومات نظرية، يبدو لنا بأنها لا تقع ضمن حدود الرسم، بل تتخطاه الى ما هو أبعد من ذلك.
وبعض الفنانين لا يمتثلون للحاجة النقدية، بقدر امتثالهم الى فكرة الرسم من دون تبويبه تحت خانة نظرية أو مفهوم أكاديمي محض.
(2) الفنانة تيسير كامل حسين يبدو لنا بأنها مرّت بهكذا احتمالات، من الفطرة والعفوية الى الموهبة، ثم الى الدرس الأكاديمي، لتضع لها قاعدة فنية أمام مدارس ومذاهب أكاديمية متعددة لا تزال قائمة حتى اليوم.
لهذا نجد تباينات أسلوبية في اشتغالاتها.
فلوحاتها بشكل عام مكشوفة.
لا تحتاج الى استثناء في التأويل وتشريح اللوحة الى عناصر نقدية وإيجاد البُعد الجمالي فيها أو حتى النقدي منها.
مثلما لا يمكن أن تكون التعبيرية خارجة عن نمطية الواقعية بمذاهبها المتعددة.
فالفطرة في لوحاتها تمثلها المحاكاة لشخصيات اجتماعية وأدبية وفنية، البورتريهات مثلاً، والرسم عندها لا يتحمل الكثير من الشرح في عفويته المعتادة في التمثيل لحركة الأشخاص والطبيعة في انفعالاتها المتعددة، وإضفاء صفة نقدية على أعمالها التشكيلية (التعبيرية- التجريدية) قد يصح نوعاً ما في تصوير الوجوه والحركات ذات الطبيعة المأخوذة من الواقع كقاعدة في الشكل الفني، وما تتركه الألوان من معطيات واقعية لا يمكن أن تجنح الى غير ذلك.
وبالتالي نستطيع ملاحظة التشابه في معظم اللوحات في بنيتها اللونية وتركيب عناصرها المسحوبة من الواقع، عدا ما هو متجه الى التجريد لجمْع الواقع في تشكيل خطوط عمودية وأفقية ودوائر هندسية ورياضية ومساحات مشغولة بالألوان الساطعة.
لاختزال الواقع وتجريده من معطياته
الواضحة.
وهذا شأن التجريد الذي ينهض بالواقع مباشرة، لكنه يواريه بالتشكيل الهندسي، ويغلق مناطق الحقيقة الواقعية والطبيعية الى شكل آخر يترك لدى المشاهد انفعالات معينة، كما يتركه أمام اللوحة لاكتشاف جماليات التجريد، وهو يغيّر الواقع الى صورة أخرى وتشكيل رمزي آخر.
(3) الطفولة. المرأة. الطبيعة. هي مشغل ثلاثي للفنانة تيسير في رصدها الواقعي لما يُحيط بها؛ تعبيراً وتجريداً؛ من دون أن تكون لها حصة معينة من التطبيق النقدي، بوصفنا أن العفوية نوع من التلقين الذاتي أمام اللوحة البيضاء والورقة البيضاء قبل أن تتمرس في مغامرة اللون ومُدخلاته الجمالية وفي أمكنته الصحيحة.
ونظن أن هذه اللمحة في مسيرة الفنانة تيسير كانت الحافز الأول لأن تفهم جزءاً من الطبيعة المتحركة أمامها وحولها وفيها أيضاً "شقت البياض الناصع الذي كان يستفزني في أية ورقة كانت تقع بيدي.
وكنت أظن أن عليَّ أن أقوم بوضع لمساتي عليها" وهذا الاكتشاف المبكر الذي قالته في أحد لقاءاتها الصحفية، هو حقيقة العفوية التي ظلت تختمر فيها حتى نضجت بالتدريج في بيئة ساعدتها على النهوض الأول بأن تنتمي الى عالم الفن "والدها الصديق الفنان الراحل كامل حسين ووالدتها الشاعرة ليلى عبد الأمير"، وفي هذه الدائرة التي نشأت فيها تعززت العفوية والفطرة بأن تلوذ إما مع اللون أو الكلمة، فاختارت اللون لِما يجسده من مشاعر طفولية؛ وبالتالي أنثوية؛ وصولاً الى فهم أكاديمي لتعزيز قدرتها على التواصل في العالم التشكيلي متعدد المدارس والمذاهب والتقنيات والأبعاد.
ومن ثم تتجسد فلسفة الوعي الجمالي لديها الذي اكتسبته من البيئة والانفتاح الأسري الذي ضخّ فيها الكثير من جماليات الفنون والأدب وفلسفة الحياة.
(4) الفنانة تيسير يمكن أن تعزز تجربتها التشكيلية بالتجريد الواقعي، فهو مفتاح عملي للاشتغالات الفنية الخيالية التالية، فقد يكون المصطلح ملتبساً في كثير من الأحيان، لكن نظنه قادراً على تنمية التجربة الفنية، ولا يتجاوز على الموهبة بقدر ما يضفي عليها ولها جماليات في التقنية والتكنيك وصهر الألوان في مزيج مناسب، لإضفاء مسحة فنية وجمالية على فكرة اللوحة، ولن يكون فكرة ضاغطة على الموهبة.
على عكس الرسم الواقعي المباشر لبورتريهات أو تدوين الطبيعة من دون خيال كافٍ.
وتيسير كامل حسين الحاصلة على بكالوريوس كلية العلوم/ قسم علوم الحاسبات/ جامعة بابل- هي عضو نقابة الفنانين التشكيليين العراقيين، شاركت في العديد من المعارض المشتركة التي أقيمت داخل وخارج العراف وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريم.