قصة الصدر بحياءٍ مختصر

منصة 2024/04/08
...

جمعة عبد الله مطلك



- نعتقدُ أنَّ تاريخاً للعراق مفصلاً ودقيقاً لم يكتب بعد، فكل التطورات المفصليَّة والبنيويَّة التي مرت بالعراق منذ التحلل العثماني ونشوء الدولة الحديثة لم يتم تفكيكها وإعادة ترتيبها بشكلٍ يضمن تقديم إطارٍ ومضمونٍ للبلاد، ولعلَّ ذلك هو ما يمدُّ الصورة النمطيَّة عن العراق التي تخالف حقيقته وأماني أهله وشعبه المتنوع والمتحد.

- تندرج حادثة الغدر بالشهيدين الصدر وأخته ضمن الأحداث الكبرى التي لم توضع حتى الآن في موضعها من تاريخ العراق الحديث والمعاصر وطبيعة نمو القوى الاجتماعيَّة والسياسيَّة فيه.

- إنَّ هذا السياق مثل تنافساً “تحول الى صراعٍ في بعض المراحل” بين منهجين؛ الأول هو المنهج التغريبي الذي ورث تقاليد الانكشاريَّة العثمانيَّة والروح المملوكيَّة وسمي بـ”المدني”. ويشمل هذا المنهج كلَّ التيارات التغريبيَّة التي لا تستمد تصوراتها ورؤاها للكون والحياة والنظامين الاجتماعي والسياسي من المصادر التي تمثل تجارب ومخاضات الأمة “بكل تعثراتها ونجاحاتها”. وقد هيمن هذا الاتجاه على الدولة بالاستناد الى توافقات والتقاء مصالح بين قوى الداخل والخارج. أما المنهج الثاني فهو المنهج التراثي أو على الأخص الإسلامي ومن المفروض أنْ يمثل الأمَّة. فاذا كان المنهج الأول استأثر بالدولة فإنَّ الخارطة الإدراكيَّة ظلت موجهة بالمنظور الإسلامي عامَّة الذي يشكل وعي أغلبيَّة عظمى “مطلقة” من الناس.

استأثر “العلمانيون” بالدولة، بينما عجز الإسلاميون بمناهجهم التبسيطيَّة والشعائريَّة عن إحياء الأمة التي كانت ولا تزال مرتبطة بهم كتعبيرٍ نوعي عن أملها في حياة الإيمان والحريَّة والسعادة. الحاصل من كل ذلك هو الصراع بين الأمة والدولة وهو الصراع الذي هيمن على عوامل الصراع الأخرى منذ تشكل الدولة العربيَّة الحديثة “الكسيحة”.

نتج عن هذا الاغتراب وقوف الدولة ضدَّ مجتمعها. بينما عبر هذا المجتمع عن ضعفٍ خطيرٍ في وسائل الدفاع الإيجابي فقد ظلت مقاومته سلبيَّة تتمثل برفض النموذج التغريبي “العلماني اللائكي” فيما لم تطرح هذه القوى البديل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي “الدولتي” للنموذج التغريبي.

- في هذه النقطة من الصراع أو الفهم نعثر على معنى ومساهمة واستشهاد محمد باقر الصدر.

- مثل الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ومالك ابن نبي وإقبال اللاهوري وآخرون، انصبَّ جهد الشهيد الصدر على تطويع الدولة للأمة “لاحقاً سوف يتحول هذا التطويع بفعل الموجة القطبيَّة والمودوديَّة الى سحق الدولة وتكفيرها”.

- على المستوى الشخصي فإنَّ هذا الرعيل من المصلحين لم يمالئ سلطاناً ولم يبحث عن جاهٍ، ارتضوا بالقليل من المعاش فنالوا الكثير من الألمعيَّة العلميَّة.