الاحتلال الأميركي للعراق: هدفٌ أم مرحلة انتقاليَّة

منصة 2024/04/08
...

د. أثير ناظم الجاسور

لم تكن لحظة العام 2003 هي من اللحظات العابرة سواء على العراق أو المنطقة برمَّتها بعد أن حول الاحتلال الأميركي العراق إلى دولة منتجة لعدم الاستقرار ولسنوات من خلال جعله ساحة لتصفية الحسابات مع الخصوم من الدول والجماعات والمنظمات من غير الدول ( المنظمات الإرهابية)، قبل هذا التاريخ والعراق أصبح واحداً من النقاط التي لابد من إحداث تغير فيها لما تحمله من عقبات وتحدٍ للستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن سلوك وإجراءات النظام العراقي السابق في تعاملاته وردود أفعاله التي كانت تؤرق بالدرجة الأساس حلفاء الولايات المتحدة، بالتالي كان على القوة العظمى أن تمارس دور الحليف الضامن الحامي لمصالحه وأمن وسلامة حلفائه والمنطقة التي يَعدها التفكير الستراتيجي الأميركي من المناطق المهمة جداً لما تحويه من موارد سيما حماية خطوط إمداد الطاقة.

إن عملية تغيير النظام في العراق لم تكن وليدة العام 2003 لا بل خططت لها الشخصيات الرسمية الأميركية ومراكز التفكير من خلال دراسة معمَّقة لوضع العراق وضرورة احتوائه في تلك المرحلة لإيصاله لحالات الضعف والتصدُّع الذي وصل إليه ناهيك عن الممارسات التي كانت متَّبعة من قبل النظام العراقي السابق الذي خلق أجواء وظروفاً داخلية جعلت من العراق واهناً لا يمتلك القدرات على مجاراة الأحداث الخارجية، من هنا انطلقت مسارات التفكير الأميركي من خلال منهاجها الجديد لإدارة النظام العالمي وفق متبنياتها الستراتيجية ووفق منهجها الخارجي المتبع ضمن الوسائل والأدوات التي تُحدد سياستها الخارجية المبنية على جملة من المفاهيم التي اتخذتها كخطوة أولى لشنِّ الحرب على العراق مثل ( حقوق الإنسان – الديمقراطية – النظام الدكتاتوري – حرية الشعب العراقي) الخ ... من المفاهيم التي حاولت من خلالها وضع التبريرات للاحتلال الذي تم الاعتراف به من قبلها لإدارة شؤون العراق وفق قواعد وسلوك المنتصر.

جملة من التساؤلات التي قد لا نجد حتى يومنا هذا إجابة عنها سواء في الجوانب التنظيرية والتحليلية أو تلك التي تمت مشاهدتها بالإضافة للمعلومات المقروءة، فعملية احتلال العراق أو كما يسمونه تحرير العراق كمفردة لم تكن بالضرورة بحاجة لتفسيرات وإشكالات علمية ولغوية بقدر ما كان المهم البحث في المسببات الرئيسة لهذا الفعل الذي حمل في طياته المفاهيم المذكورة أعلاه، في البداية الولايات المتحدة على علم بأن الحرب غير متكافئة بالتالي عسكرياً النتيجة محسومة لما تمتلكه من تقنيات وقدرات تكنولوجية متفوقة على العراق، إلى جانب معرفتها بأن العراق يمتلك من العلاقات مع حلفائها الأوروبيين ما يمكنه من أن يلعب في ساحة جذب التعاطف معه هذه النقطة تُبين أن إصرار الولايات المتحدة على العراق كان بعيداً عن حرية شعبه والمفاهيم البرَّاقة التي ساعدتها على احتلال العراق، كل ما أرادت اإثباته الولايات المتحدة هي قدرتها على القصاص من خصومها مهما كانت مقبوليتهم من عدمها في النظامين الإقليمي والدولي، وعلى هذا الأساس كانت مهمتها خلق نظام للتوازن جديد في المنطقة مُستغلة الضعف الذي يُعانيه العراق فضلاً عن خطوة تساعدها على ربط هذه المنطقة بمناطق أخرى مهمة تتبلور فكرة هذه الخطوة بعملية الهيمنة والسيطرة على مناطق مهمة من العالم من دون إحداث خلل يؤثر في مصالحها وأهدافها في العالم.

عملت الولايات المتحدة في جوانب مختلفة وفق نظريات الاقتصاد الكوني التي عملت على إيجاد مجموعة من التفاعلات التي تعمل على وضع أسس جديدة للعمل الوطني أو القومي أو كما يسميه البعض الحكومي من خلال الاستقلالية التي سيعمل بها النظام العالمي في ما يخص الجوانب الاقتصادية وحتى السياسية، فلم تعد تلك الاقتصادات المحكومة بمركزية الدولة الخاضعة لسلطتها والتي تحدثنا عنها تجدي نفعاً بعد أن عمل الاقتصاد الكوني على جعل النظام ينسلخ من مرتكزاته الاجتماعية بعد أن توجَّب على السياسات المحلية الأخذ بالعوامل العالمية،  وبعد اكتمال نمو الاعتماد المتبادل داخل المنظومة العالمية فإن المستوى العالمي سيخترق المستوى القومي ويحوله إلى نموذج بسيط وقديم، العراق كان يقع ضمن هذه الخارطة الكونية الاقتصادية التي أثرت ولا تزال تؤثر في السياقات العملية للحكومات في العالم مما أسهم في إضعاف مستويات العمل الحكومية، المُختلف هنا إن العراق كان ضمن قائمة الأنظمة المتصفة بالشريرة المارقة فلم تكتفِ بمحاصرته وإنهاك نظامه والمساعدة على التغيير من الداخل لا بل كانت المهمة الاأساسية هي الهيمنة على تدفُّقات الطاقة والموارد والتأكيد على أن يكون بيئة جاذبة للصراعات ليكون ساحة التصفية كما تم ذكره، بالتالي فإن الإجراءات التي تم اتباعها لا حدود لها لكنها بعيدة عن الشعارات والمفاهيم المُعلنة لاحتلال العراق فقط كانت عملية تغيير لإحداث فجوة في نظام المنطقة وجعل فكرة الأمن الهشّ هي الرئيسة فيها أنتجت الديمقراطية الأميركية بيئة غير مستقرة تفتقر لمتطلبات إشاعته.