د. حامد رحيم
مضت السنوات في العراق بعد عام التغيير السياسي، والشارع كان منتظرا لما سيفضيه هذا التغيير من انعكاسات من المفترض أن تنسيه أيام الحصار وويلات النظام السابق، لكن كان للعامل السياسي والأمني أثراً كبيرا في الملف الاقتصادي، فالهشاشة في الدولة والأداء العام للمؤسسات، الذي هيمن عليه الفساد وفقا للمؤشرات الدولية مشفوعا بسوء الإدارة وغياب المنظور الاستراتيجي غابت الملامح التنموية المفترضة على ضوء التدفقات المالية غير المسبوقة الناتجة عن مبيعات النفط.
وفق المنظور الكلي للاقتصاد العراقي، فإنه قد ورثة مجموعة مشكلات من النظام السابق على رأسها ازمة الطاقة والسكن وضعف التنوع في النشاط الاقتصادي والفقر الشديد والبطالة، واختلال العلاقة مع المجمع الدولي وغيرها، وبسبب العشوائية والفوضوية وعدم تحديد أولويات معالجة من قبل السلطة الاقتصادية، لم نشهد تحسناً باي محور من تلك المحاور، والى اليوم ونحن تجاوزنا العقدين من الزمن ما زالت ازمة الطاقة مستدامة رغم حجم الانفاق الذي فاق (100) مليار دولار، وأزمة السكن التي اتسعت لتفوق (4) ملايين وحدة سكنية نتيجة لنمو السكان وغياب المعالجات المناسبة، اما البطالة ففي عام 2003 كانت بحدود (9%)، وبسبب نمو السكان وغياب سياسات التوظيف الصحيحة ارتفعت البطالة الاجبارية الى قرابة (17%)، اما المقنعة ذات الأثر السلبي في الاقتصاد التي نجد تجلياتها في القطاع الحكومي والعام فقد فاقت (40%)، والفقر الذي شكل ما نسبته (ربع السكان)، وظل التنوع في النشاط الاقتصادي معضلة كبيرة، فقد هيمن النفط على الناتج المحلي الإجمالي مقابل نسب متواضعة للصناعة التحويلية، فلم تتجاوز معدل النسبة (2%) فقط والزراعة بحدود معدل نسبة (4%) والتشيد والبناء بذات النسبة تقريبا مع غياب مطلق للسياحة والقطاع المعرفي وقطاع خدمي خجول جدا، اما العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي، والذي يعكسه ميزان المدفوعات، فقد شكل النفط الخام في الحساب التجاري في جانب الصادرات ما نسبته (99%)، ما يعني ان الاقتصاد العراقي منكشف شديد الحساسية للحدث الاقتصادي للشريك التجاري، ولا يفوتنا قطاع التعليم المتراجع بعد خروجه من التصنيف الدولي، بالنسبة للتعليم الاولي مع تصنيفات خجولة لبعض الجامعات.
كل ما تقدم وغيرها من المؤشرات بالخصوص مؤشرات البيئة والمناخ، التي احتل العراق مراتب متقدمة في الدول الأكثر تهديدا في هذا الجانب كانت في ظل تدفقات مالية كبيرة جدا وغير مسبوقة بتاريخ الدولة العراقية، والتي فاقت (الواحد والنصف تريليون دولار).
يمكن خلف هذا الفشل الاقتصادي عوامل عديدة لعل تبعية الملف الاقتصادي للاداء السياسي عاملا اسياسيا، فنجد ارتفاع نسبة الانفاق التشغيلي في الموازنات المتتالية وعلى راسها التوظيف الحكومي الذي بلغت قيمة تعويضات الموظفين حاليا ما قيمته (69) ترلليون دينار مع منح إعانة اجتماعية قاربت (7) تريليون دينار، وكلها محاولات لترضية الشارع وصناعة جمهور زبائني للجماعات السياسية الحاكمة، مع الاعتماد بشكل كبير على العالم الخارجي، لتغطية حاجات السوق المحلي مما شكل استنزاف كبير جدا لواردات النفط من الدولار، دون أن تكون هناك أي محاولة للتراكم الراسمالي، فقد صرحت الحكومة ان قيمة الوارادات (70) مليار دولار بمعنى أننا (نستورد لكي نعيش)، والمراقب يشهد بوضوح ضعف الامن الغذائي.
إن النمو بالدخل في العراق اقترن بظاهرة (سوء التوزيع) وتنمية غير متوازنة بمعنى نشهد محافظات غارقة بالفقر، مثل السماوة التي شكلت (53%) تلتها ذي قار بنسبة (47%) وميسان (44%)، مع تراجع في الخدمات العامة قبالها صعود طبقات طارئة واستحواذها بشكل كبير على عوائد ذلك النمو، والملاحظ أن تلك الطبقات تشتغل بالسياسية وقريبة من صناع القرار.
إن التنمية الاقتصادية لها شروطها، نعم التمويل مهم وقد توافر بشكل كبير بلحاظ حجم التدفقات المالية، لكن الفساد الكبير والهشاشة في الدولة وضعف انفاذ القانون تبدد حلم التنمية، فالجهاز الرقابي ضعيف جدا ولم يتمكن من الضبط المالي، إن المحاولات لحوكمة الإجراءات والتي جاءت اغلبها بضغوط خارجية مثل (اتمتة اجراء نافذة العملة والمنافذ الحدودية) مع بعض الأعمال (البلدية) مثل اكساء الشوارع وانشاء بعض المجسرات في مراكز المدن، وغيرها لا تصب في معالجة جوهر المشكلة ان لم تعالج مجاميع الفساد المتنفذة قانونيا والتوجه نحو المنظور الاستراتيجي لمعالجة المؤشرات سالفة الذكر.