9 نيسان 2003 في منظور الناس

منصة 2024/04/08
...

باسم محمد حبيب



منذ 9 نيسان 2003 والجدل مستمرٌ حول ما حصل في هذا اليوم، هل هو غزوٌ أدى إلى احتلال دولة وتقويض استقلالها؟ أم تحريرٌ تمَّ فيه تخليص شعبٍ من سيطرة نظامٍ مستبدٍ سامه سوء العذاب وجعله أشتاتاً وحطاماً نتيجة الكوارث التي أصابته والويلات التي نكبته.

إنَّ ما يلفت النظر في عدد من تبنى أو يتبنى هذا الرأي أو ذاك، أنَّ هذه النسبة اختلفت كثيراً بين ما كانت عليه في الأيام الأولى للغزو وما أصبحت عليه بعد ذلك وما باتت عليه في الوقت الحاضر، ففي الأيام الأولى للغزو كانت النسبة لصالح من يراه تحريراً، أما من كان يراه غزواً فقد كانوا قلَّة قليلة من بينهم من كانوا ناقمين بسبب تغير نظام الحكم، أما بعد ذلك بمدة، لا سيما بعد الأداء السيئ للقوى السياسية وما عانته البلاد من كوارث وصراعات، فقد تغيرت النسبة - وإنْ بدرجة قليلة - لصالح من يراه غزواً مقارنة بمن يراه تحريراً، وإنْ لم يؤد ذلك إلى أنْ يغدو هؤلاء غالبيَّة، لكنَّ النسبة تغيرت مرة أخرى وباتت أعداد هؤلاء مقاربة لأعداد أولئك.

إنَّ أول ما نلاحظه على هذا التغير المستمر في منظور الناس لما حصل في العام 2003، أنَّه لم ينطلق من منظورٍ ثقافي وقانوني، بل من منظورٍ شعبي وعاطفي، فلا يختلف أثنان على أنَّ ما حصل هو غزوٌ واحتلالٌ بغض النظر عن النتائج التي ترتبت عليه التي من بينها إنهاء حكمٍ مستبدٍ فاشلٍ أفقر البلاد وظلم العباد وحول كل شيء جميل إلى دمارٍ وخراب، لكنْ على الرغم من ذلك رأى كثيرٌ من الناس أنَّ هذا يكفي لإعطاء الغزو شرعيَّة ما، لا بل ووصفه بنقيض الغزو والاحتلال وهو التحرير.

والشيء نفسه يصحُّ على تغيير النسبة لصالح من يراه غزواً، فهذا لم يتأت إدراكاً لخطأ في قراءتهم للحدث، بل جاء تذمراً وانزعاجاً من الأداء السيئ لبعض المسؤولين والقوى السياسيَّة، وغضباً مما آلت إليه الأوضاع في البلاد، فمعظم هؤلاء ما كان لهم أنْ يغيروا نظرتهم هذه لو جاء الأداء على وفق ما كانوا يأملون وينتظرون، ومن بين هؤلاء من غير موقفه انطلاقاً من تبنيه لاتجاهٍ سياسي أو أيديولوجي جديد له رؤى مغايرة لآرائه القديمة، يؤيد ذلك أنَّ الكثير من الذين عارضوا الغزو والاحتلال في أيامه الأولى باتوا اليوم مؤيدين له في مقابل الكثير ممن باتوا معارضين بعد أنْ كانوا مؤيدين له في تلك المدة.

فبخلاف المؤرخين والمراقبين الموضوعيين الذين يربطون آراءهم بأحكامٍ عامَّة دائماً، فإنَّ نظرة الناس ليوم 9 نيسان 2003 ليست ثابتة، بل محكومة بالتغير المستمر، لكنها بالتأكيد ليست نظرة عشوائيَّة أو عبثيَّة، بل منطقيَّة مرتبطة بالأحوال التي يعيشونها وبالظروف التي يواجهونها في حياتهم، فلا يقفون عند موقفٍ معينٍ أو نظرة محددة.