رقابة الضوء للحكاية

منصة 2024/04/14
...

 أحمد ساجت شريف


لا أميل كثيراً إلى مشاهدة الدراما، وتكمن المشكلة بي شخصياً ربما ولطالما تعلق الأمر بالنص، النص بوصفه ناقلاً لطبيعة هذا المجتمع أو ذاك والمُكرس لتشريح ظاهرة أو رصد فعل أثر سلباً أو ايجاباً في البنية التي ننتمي اليها. 

هذا العام شاهدت مسلسل (قصة) ولأسباب شخصية أيضاً، فكاتب النص مبدع، أعرف أنه يجيد الحفر في مناطق الجمال وينتمي إلى الاسئلة التي لا تتكرر والنصوص التي تبتكر معنى يشبهه. وهو الكاتب عباس حسيب الغالبي انتظرت أن يكمل الغالبي عمله الاول، وظننت أنه اختتمه في الحلقة (29) مُسدلاً الستار عن نهاية القصة، غير أنه استمر ليضعنا أمام الصراع بين الخير والشر حتى آخر مشهد.  قصة ليست حدثاً درامياً هي قصيدة أكثر سعة من منصة وملمح إنساني، ينطلق من (الحب العذري) الحب الذي يولد خالصاً في الهامش وتتقاذف تفاصيله ايادٍ تتجرد من فهمه لتنقض عليه.. فمع اغتصاب (غالي) الحدث الذي آثر الكاتب أثارته كجزء من الخراب واهانة/ الطفولة/ وعمل المخرج الى موته كحدث ظل يعود مع كل غصة لقصة: براءة الروح وصدق الضمير، وهي تتحرك في صراع الخير والشر وكأنه ومضة للبقاء ومحاولة جادة للهرب من  نسق صار واقعاً!؟ 

عمد الكاتب إلى عرقنة العمل بكل تفاصيله فكرة ومنحى وسلوكا ومفردة اصيلة سحراً ومكاناً وجملاً مكثفة واضعاً المتلقي/ العراقي/ أمام ذات الاسئلة التي تدور في احياء الهامش والقصور، لكي تتعثر امام الشر وتنهض مع اول يقظة للضمير ومع ما تم من تنامي للخبث البشري ونوازعه العداونية ممثلة "بشمم، نجاح، فلاح " بقي التزلف إلى الخير في شخصية "سهر ابو سالم، ودوحي، ودونكي" يبين فكرة التأرجح والتوازن الذي لولاه لازدادت خيبة الفرد ازاء هذا العالم.  صنع الكاتب في نصه فكرة لكل شخصية فكرة لا تنتهي بكونها مشهداً تلفزيونياً عابراً، بل فكرة تتشيد وتتداعى في ذات اللحظة ولا مهيمنات أو ثوابت يمكنها أن تستمر سوى نظرة الصراع، الصراع الذي يتحكم فيه ويديره الباشا الذي ظل حتى أخر اللحظة شخصية مخيفة ومخفية تتكشف مع الاحداث التي تتصاعد دون اسفاف لنعرف في النهاية ان ما يرسمه/ الباشا/ بقناعه سيرويه من دون قناع ولا تيه أعظم من أن تبقى متسائلاً عمّا يريده النص العراقي بامتياز تماماً مثلما تتساءل عن يوم عراقي يمزج كل متناقضات العالم من دون أن يحتكم الى الثبات!  

ولعل هذه سر الخلطة التي شكلها عباس الغالبي، وليته يستمر كما استمر شاعراً مغايراً ومسرحياً يعيد تأثيث الجمال.