رسائل {سلام}

منصة 2024/04/14
...

 علي إبراهـيم الدليمي


عن مؤسسة رؤيا للفنون في بغداد، صدر كتاب "رسائل إلى والدي"، للفنان سلام عطا صبري، الذي ضم 145 تخطيطاً، قياس A4، باللغة الإنكليزية، وطبع في إيطاليا. فضلاً عن النصوص التي كتبها كل من د. تمارا الجلبي، رئيس المؤسسة، وفيليب فان كوتيرين، المدير الفني لمتحف ستيدلجيك للفن المعاصر. (الذي كان أول من أختار الفنان سلام عطا صبري لمعرض "جمال خفيّ" في البندقية الإيطالية).

والكتاب يحتوي في متنه على رسائل مرسومة، على شكل تخطيطات بالحبر الأسود ومعززة ببعض المسحات الشفافة بالأقلام الخشبية الملونة. وقد طبعت على الورق المخصص للرسم، وتتفاوت كثافة خطوط الحبر الأسود بتفاوت كل رسم، كما هي الحال بالنسبة للأشكال التي تصف الموضوع، وقد حدد سلام مسبقاً قالباً هندسياً مميزاً للدوائر، وأنصافها، والمربعات، والمستطيلات، والمثلثات، والخطوط، والأشكال المتموجة.

ويمكن تقسيم التخطيطات إلى عدة أقسام: بغداد للفنان في الوقت الحاضر، بغداد لوالده وطفولته، سفر الفنان إلى الخارج، وأسفار والده وتعليمه في لندن، بعد الوقت الذي قضاه عطا صبري في لندن، تأخذنا الرسومات إلى طفولة الفنان في بغداد الخمسينيات، إلى جانب بعض التفاصيل عن أعمال والده هناك، ظهرت إشارات إلى التراث الأثري الغني للعراق، وذلك بفضل وظيفة عطا صبري في العمل بآثار المتحف العراقي..

في أحد الرسوم، يكتب سلام أن والده كان صديقه أيضاً، صحيح أنه رسم منزل العائلة من الخارج، لكنه تحدث فقط عن محترف والده، هناك، حيث يعطي الرجل للصبي الورق وأقلام الرصاص ليرسم بجواره. ويقول سلام عطا صبري، حول نشاطه في الرسم، وهو الخزاف المتخصص: "كانت في داخلي مشاعر كثيرة لم أستطع التعبير عنها طوال حياتي، وأردت أن أنقلها إلى والدي بعد وفاته، كونه كان صديقي أيضاً، فقد وجدت حافزاً لهذا... المجموعة الفنية، الذكريات والرسائل في هذا الكتاب، انه حلم كبير لم أتوقع تحقيقه يوماً".

والكتاب هو عبارة رمزية تحاكي العالم الداخلي لسلام، ولا سيما طفولته في بغداد إبّان الخمسينيات، فضلاً عن اعتبارها شعاراً للعديد من العراقيين من أترابه، الذين تشكلت حيواتهم وصدماتهم في وطن معنف، ذات يوم، كان العراق دولة حديثة رائدة ذات مستقبل، ومن ثم ديكتاتورية وحشية، أضحى العراق اليوم كياناً عنيفاً ممزقاً، مطبوعاً بعقود من الحرب والعقوبات والإرهاب والا يقين المتواصل.

ربما من الأفضل قراءة هذه الرسومات على انها حروفيات مرئية تحوي تداخلات نصية موجهة إلى أب محبوب للغاية. لقطات حميمة لمناجاة من طرف واحد بين الفنان ووالده، وهي حالة ذات ألفة كونية بالنسبة لأي شخص يشتاق والده الراحل. إذ لكليهما عمق ذاتي وتاريخي، وذاكرة هي مزيج من يوميات ومراسلات، وكلاهما ذو خصوصية وإجتماعية في آن معاً. تخبرنا رسومات الكتاب، بلغ عطا صبري، والد سلام، سن الرشد، يكتب سلام في أحد رسوماته: "أبي العزيز أذكرك بأشياء جيدة". لقد التحق بكلية الفنون الجميلة المنشأة حديثاً في بغداد، حيث تم الإعتراف بموهبته، وفي العام 1946 – بمساعدة نظام المنح الحكومية الذي تم إنشاؤه لتمكين هذه الفئة الناشئة من التقدم – ثم إرساله إلى نظام الحصص الغذائية والحرب – وأرهق لندن لمواصلة تعليمه. في مدرسة سليد للفنون الجميلة، تزامل عطا صبري مع جواد سليم، الفنان العراقي المعاصر والريادي، وزوجته لورنا. تشكل رسومات سلام مفاتيح للأماكن الرئيسية في عالم والده أثناء إقامته في لندن، عاش عطا صبري في شارع الأمير آرثر رقم 40، هامبستيد، nw3، وكان صديقاً لأسر بيري، مورلي وماثيو، الذين كانوا يعيشون في الجوار، تظهر أسماء أماكن معينة بشكل متكرر في الرسومات، مثل هامبستيد هيت، حيث أقام والده معرضاً في الهواء الطلق في العام 1948، ومركز كامدن للفنون. يوجد أيضاً متجر للسمك والبطاطس على طريق فينتشلي المكتظ بالحافلات ذات الطابقين، بالقرب من محطة مترو انفاق لندن الموضحة بعلامة دائرية مميزة.

1987 هي السنة التي يأتي ذكرها مراراً وتكراراً، هنا وهناك، أوضح سلام، حيث كانت وفاة والده التي عرف بها بعد عدة أشهر، حينما وصل صديق للعائلة من بغداد برسالة من والدته تبلغه فيها بالخبر، حيث يصف سلام كيف أن الزمن تجمد به بسبب صدمة فقدان والده واستحالة رؤيته مع والده مرة أخرى. حقيقة انه لم يره يرحل في الواقع، هي أيضاً أحد الأسباب التي جعلت سلام يواصل التخاطر مع والده عم طريق أعماله.