رؤية لحرب مؤجلة منذ 40 عاماً

آراء 2019/05/31
...

حسين الذكر
(التوقيع خسارات) ، قبل ثلاثين عاماً ظهر الدكتور رياض القيسي وكيل وزارة الخارجية العراقية آنذاك في برنامج الملف مع فيصل الياسري ، وقد تحدث فيه عن طبيعية المفاوض الإيراني فقال ( كلفت بالتفاوض مع الجانب الإيراني حول ملف الاسرى وقد التقينا بجنيف وطهران وبغداد ووقعت على الاتفاق بكل العواصم لكن المفاوض الإيراني رفض التوقيع، قائلا : ( تعلمت من والدي عن ابيه عن جده عن جد جده ، ان التوقيع خسارات..) .
في نظرة للواقع الخليجي والمصالح العالمية فيه تظهر ان حرب الخليج الأولى والثانية لم تكن عشوائية او بناء على رغبة عربية او إقليمية بل هي  تدبير غربي ممنهج ضمن آليات عمل حاكمة للسلوك السياسي منذ الاف السنين وترتبط بمصير مصالح القوى وتعبر عن اخلاقيات الانسان الجشع الذي لم تبدله جرعات السم التي تناولها سقراط ولا سماحات السيد المسيح ولا تضحيات الامام الحسين ونصائح كونفوشيوس ولا خطابات فولتير .. 
النظام الغربي عامة وراسه الأمريكي خاصة لا يتعامل مع المعطيات والميدان بنظام المسطرة، لكنه يحتفظ دوما بمقولته الشهيرة ( كل الطرق تؤدي الى روما ) .. من هنا فان التعاطي مع نظام الملالي في ايران كما يسميه الغرب ومؤيدوه على الجانب العربي شماتة ، او كما  يفتخر به كل السائرين على خط الامام لا يخرج من هذه القاعدة .فايران من جانبها لم تقف نائمة او تدعو بالجوامع وتتوسل طيور ابابيل لصد الهجمة المرتقبة كما انها لم تنم يوما ولم تنس ما يتحتم عليها فعله . 
قطعا ان اخبار الطرفين المضادة والمنسجمة مع حجم التهديد تدخل ضمن سياق حملات إعلامية لدولتين كبيرتين لهما مصالحهما الخاصة وتحكمها قواعد عمل سياسية تاريخية لن تخرج من طورها وفقا وبناء على رغبات الرئيسين ترامب وروحاني فقط ) .. فالاسس تكاد تكون واحدة في التعاطي الملفاتي الذي يدور حول المصالح وضرورة تحقيقها ولو  بنسب مقبولة للاخر مـــن دون رفع راية الاستسلام.. 
من هنا يجعلنا نعتقد ان الحرب هي اخر أدوات السياسة وهي تعبير واضح عن فشل الدبلوماسية ، والدول المتحضرة تسعى الى تحقيق النصر من دون فتح جبهات قتال فعلية ، بنقطة أساسية ثبتت في كتاب فن الحرب قبل 2500 سنة من قبل الفيلسوف الصيني صن تزو . كما ان الحرب التي لا تؤدي الى نتائج مضمونة وتحقيق كامل للأهداف على المستويين الآني والمستقبلي وبتكاليف باهظة ستسهم حتما برؤية  مشتركة وخلق بيئة افتراضية ممكنة للطرفين  ، لا سيما في ظل رؤية ظلت عصية على الغرب منذ باكورة اندلاع الثورة الإيرانية ، فثمة سؤالان ما زالا عصيين لدى الأمريكيين يمكن من خلالهما فهم ما يمكن ان يدور الان وفي المستقبل : -  الأول عسكري بحت يتمثل بمدى قدرة ايران التدميرية وسرعة ردت فعلها.. والثاني سياسي يتمثل في البديل الإيراني الممكن بعد الحرب وهل سيكون امتداداً للثورة او بديلاً مماثلا لنظام الشاه الراعي للمصالح الغربية عامة .. هنا تكمن صعوبة أخرى لم تستوعبها الدوائر البحثية والستراتيجية الغربية بعد .. مما يعقد المهمة، فالايرانيون برغم اختلاف وجهات نظرهم ، لكنهم يعملون وفقا لنظرية المصالح القومية الإيرانية بحدود ما لا يمكن ان تستسلم كلها وتخضع للانقياد الغربي
 التام ..
في قراءة لعمق ذلك المغزى نرى ان المعطيات العسكرية والإعلامية والقرارات السياسية تصب في التصعيد الشكلي ليس على حساب الثوابت لكلا الطرفين .. فكلاهما لا يمكنه ان يدخل حرباً شاملة مجهولة الأهداف ومكلفة الخسائر والتبعات .. مما يجعل فرصة التفاوض تسير جنباً الى جنب مع التصعيد العسكري والإعلامي في ظل تحريك خط ثالث لايمكن ان نغض الطرف عنه المتمثل بتحريك الوساطات الدبلوماسية والمخابراتية التي تمهد وتسهل عملية التفاوض وبلوغ نقاط مشتركة مقبولة لكلا الطرفين من دون الحاجة  الى دخول حرب مدمرة
 شاملة .. 
هنا تكمن أهمية ودور طاولة الحوار المعلنة والمستترة بمجالات ودول متعددة ودهاليز وأساليب شتى .. فالاقوياء لغتهم حوارية قبل ان تكون جنونية كما يعتقد او يتهم البعض تصريحات الرئيس ترامب بانها تخرج من أعماق نفس ذاتية او أولئك الذين يعتقدون ان القرارات في ايران تصدر بناء على رؤية خامنئية محضة من دون الاختمار في المعترك الاستشاري والخروج باطار مؤسساتي
 دبلوماسي ..