الموازنة، وحزيران والوكالات ..!

آراء 2019/05/31
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
حزيران .. هو الشهر السادس من السنة الميلادية، وأيامه ثلاثون يوما، ويمثل الشهر الأول من اشهر الصيف اللاهبة في العراق، اذ تمثل أيامه الثلاثون توطئة، أو إذا شئتم “بروفة” حقيقية لأيام الحر التي ستحرقنا في شهري تموز وآب، في ظل مؤشرات غير مطمئنة لواقع الكهرباء التي مازالت تمارس معنا، لعبة الختيلان، معطية مفاتيح اللعبة كاملة لأصحاب المولدات الأهلية، ليحددوا هم، دون سواهم، أسعار “الأمبيرات” وآليات وساعات التجهيز .. 
المهم، دعونا في سياق شهر حزيران، الذي يبدو انه سيكون مختلفا هذا العام، وقد يؤسس لمرحلة مقبلة، غير واضحة المعالم، فقد تكون ساخنة لحد الغليان، وقد تكون معتدلة، وكأن الربيع عاد إلينا قبل موعده ! .. وهنا اتحدث عن ملف إنهاء العمل بالوكالات، فقد جاءت المادة (58) من قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق لعام 2019، حاسمة وقاطعة، عندما شددت على وجوب التزام الحكومة بانهاء ادارة مؤسسات  الدولة بالوكالة، باستثناء الأجهزة الأمنية والعسكرية، وحددت الثلاثين من حزيران، موعدا فاصلا لإنهاء العمل بالوكالات، وذهبت المادة الى ابعد من ذلك، عندما قطعت بان أي اجراء بعد هذا التاريخ يقوم به المعين بالوكالة يعد باطلا ولا يترتب عليه أي اثر قانوني، وليس هذا وحسب، إنما دعت المادة ذاتها الى إيقاف جميع المخصصات المالية والصلاحيات الادارية في حال استمرار الوكالة بعد 30 
حزيران. 
وهكذا يبدو النص حازم وخطير جدا، ونحن نتحدث عما لايقل عن5 آلاف درجة وظيفية خاصة، تدار بالوكالة، بين مدير عام ووكيل وزير ورئيس هيآة، ووزراء ومن هم بدرجتهم ..، اذ يبدو المشهد معقدا جدا، لاسيما مع بدء عدّاد ايام شهر حزيران بالدوران، وما هي الا ايام معدودات حتى نجد أنفسنا وقد دخلنا في شهر تموز،.. فماذا لو لم تتمكن الحكومة فعلا من حسم هذا الملف ؟، وقطعا ان مثل هذا التساؤل المخيف لم يأت من فراغ، فثمة مؤشرات غير مطمئنة، تحيلنا الى صعوبة الاتفاق بين الكتل السياسية على توزيع حصصها من تلك الدرجات الخمسة آلاف درجة، اذ ان الكثير من هذه الكتل، لم تنكر  سعيها للحصول على حصتها، وفقا لثقلها السياسي والبرلماني، ومما لا شك فيه ان وجود مثل هذا الصراع، سيلقي بظلال قاتمة على المشهد، ويربك جهود الحكومة في حسم الملف، وفقا لما نص عليه قانون الموازنة، وهنا ستواجهنا مشكلة اخرى، في حال تجاوزنا السقف الزمني المحدد، وهذه المشكلة تتمثل بدخولنا في فراغ اداري خطير، اذ سيتم إيقاف رواتب 5 آلاف درجة وظيفية خاصة، فضلا عن بطلان أي اجراء يقوم به هؤلاء الموظفون من ذوي  المستويات الوظيفة العليا (قيادية)، بمعنى ان الدولة العراقية ستصاب بحالة شلل عام في جميع مفاصلها، إذا ماعلمنا  انه لاتوجد وزارة أو مؤسسة حكومية تخلو من وجود مفصل وظيفي يدار بالوكالة .. طيب، إذن مالعمل لتجاوز مشكلة كبيرة من هذا النوع، يمكنها ان تجعل البلد ينزلق على صفيح ساخن، يودي به الى واد 
سحيق ؟ ..
خصوصا، وان وضع الذين يؤدون مهامهم بالوكالة، قلق جدا خلال هذه الايام، فهم لايعرفون ما سيؤول اليه مصيرهم !!، وهذه هي الأخرى تعد مشكلة لايستهان بها 
أبداً ..
الحل، وفقا لما بدأ يتحدث به البعض، وان كان حديث مستتر، هو ان يذهب مجلس النواب، الى اجراء تعديل على ماورد في الموازنة، من جهة رفع السقف الزمني، من اجل منح الحكومة متسعا من الوقت لمعالجة الملف بأريحية، وهذا الحل المفترض، سيقودنا، ربما الى مشكلة اخرى، فترحيل الملف الى زمن قادم، سيؤدي الى المزيد من التعقيد، وربما صعوبة حسمه، لتبقى مؤسسات الدولة تدار بالوكالة، حتى يُقضى امرٌ كان مفعولا !، حقا، ان المشكلة شديدة التعقيد، تحتاج الى هدوء، واجراءات حازمة وحاسمة، لإنهاء هذا الملف الذي كبُر حجمه، حتى صار بحجم العراق، اذ ينبغي ان تُعطى الحكومة الحرية الكاملة في عملية اختيار مَن يشغل هذه المناصب، وفق معايير مهنية تعتمد الكفاءة والخبرة والنزاهة، والقدرة على اتخاذ القرار، والتفكير الخلّاق، والإلمام بمبادئ الوظيفة العامة، فلو مُنحت الحكومة، هذه المساحة، اعتقد انها ستكون قادرة على 
الحسم ...
المشكلة، اننا ازاء سقف زمني بات قريبا جدا، والأمر بحاجة الى، فعل أو اجراء أو قرار يوقف التداعي المحتمل بعد 30 حزيران . فالوضع لايحتمل نشوء مشاكل جديدة من شأنها ان تتعب الجسد العراقي الخارج تواً من ازمة مزدوجة (اقتصادية -أمنية) وقد بدأ يتماثل للشفاء .