كشفت لبنان المثقلة بالديون النقاب عن خطة غير مسبوقة للسيطرة على ماليتها العامة، لكنها تواجه جهودا شاقة لاستعادة ثقة المستثمرين الضرورية لتفادي أزمة. وتتضمن الميزانية بعض الخطوات الصعبة من الناحية السياسية، مثل وقف التوظيف الحكومي لثلاث سنوات، ووضع سقف للمكافآت، وفرض ضريبة على معاشات التقاعد لموظفي الدولة. وتمت تنحية خطوات أخرى، أبرزها مقترحات لخفض مؤقت في أجور العاملين بالقطاع العام.
وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي المعني بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى بنك جولدمان ساكس ”يتمثل الاختبار الرئيس لهذه الميزانية، فيما إذا كانت تستطيع تعزيز ثقة السوق وجذب تدفقات جديدة من العملة الصعبة تشتد حاجة لبنان إليها، لسد فجوة التمويل الخارجي الكبيرة.
وقالت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني إن إعلان الميزانية في حد ذاته قد لا يكفي لاستعادة الثقة المتضررة بين المستثمرين والمودعين غير المقيمين. ودفعت أنباء الموافقة على الميزانية سندات لبنان الدولارية للصعود يوم الثلاثاء، بينما هبطت تكلفة التأمين على الدين السيادي للبلد. وتهدف الميزانية إلى خفض العجز إلى 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 11.5 بالمئة في 2018. وستُحال الميزانية الآن إلى البرلمان لمناقشتها.ووصف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الميزانية بأنها بداية ”لطريق طويل، قررنا أن نسير فيه، حتى يصل الاقتصاد اللبناني إلى بر الأمان“، وتظهر أن لبنان مصر على
معالجة الهدر بالقطاع العام.
إصلاحات مستدامة
إضافة إلى خطة إصلاح قطاع الكهرباء، الذي يعاني من الهدر ويعد من أكبر بنود الإنفاق العام، ربما تساعد الميزانية بيروت على الافادة من تمويلات بنحو 11 مليار دولار تعهد المانحون بتقديمها إلى لبنان في مؤتمر سيدر بباريس العام الماضي.
وقال دبلوماسي غربي من دولة شاركت في المؤتمر ”هذه الميزانية خطوة أولى جيدة، وتشير إلى التزام حقيقي من الحكومة اللبنانية باتخاذ بعض الخطوات الصعبة من الناحية السياسية لكنها ضرورية اقتصاديا.
وقال الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي في لبنان وسام حركة إن “خفض العجز، إذا تحقق، سيكون إصلاحا كبيرا”.
وأبلغ رويترز قائلا ”احتفظ برأيي في نتيجة ذلك، لكني أعتقد أنه يظُهر جدية“. ولا يزال بعض الخبراء الاقتصاديين يتوخون الحذر تجاه أرقام الحكومة اللبنانية.
وأشار فاروق سوسة إلى أن الحكومة استهدفت عجزا في ميزانية 2018 عند 8.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن العجز بلغ 11.5 بالمئة في نهاية المطاف.
وأضاف سوسة أنه يتمسك بتوقع وصول العجز إلى 9.4 بالمئة لعام 2019 ”في ضوء سجل الحكومة الضعيف في تحقيق أهدافها... وحقيقة أن من المستبعد إقرار الميزانية كقانون قبل مضي شهر آخر، ليكون نصف السنة المالية تقريبا قد انقضى“.
وقالت علياء مبيض العضو المنتدب في جيفريز إن أهداف الميزانية تفتقر إلى الواقعية، في ضوء التوقعات المتفائلة للإيرادات التي تتجاهل التأثير الركودي للإجراءات المقترحة وتخفيضات الإنفاق الرأسمالي. وأضافت أن الحكومة لم تجر إصلاحات هيكلية مهمة.
وتابعت ”نعتقد أن من المستبعد انخفاض العجز الكلي دون تسعة إلى 9.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي“.
وتتضمن الإجراءات الرامية لتحقيق إيرادات ضريبة تبلغ اثنين بالمئة على الواردات، وزيادة الضريبة على الفوائد إلى عشرة بالمئة من سبعة بالمئة. لكن ذلك سيؤثر سلبا على كل من المودعين والدخل الذي تجنيه البنوك من سندات الخزانة.
وقال وزير المالية إن الحكومة تخطط أيضا لخفض تكلفة خدمة الدين بنحو 660 مليون دولار من خلال إصدار سندات خزانة بفائدة منخفضة للبنوك المحلية.
وناقش مجلس الوزراء الميزانية، ونظم العاملون في القطاع العام عدة إضرابات، واحتج عسكريون متقاعدون على أي تخفيضات. ومنذ الانتهاء من الميزانية يوم الجمعة، لا توجد أي علامات على احتجاجات أو إضرابات جديدة.
وقال جيسون توفي من كابيتال إيكونومكس إن الميزانية أظهرت الصعوبات التي تعترض المضي قدما في خفض أجور العاملين بالقطاع العام.
وتابع {يكافحون للمضي قدما في التقشف، وفي نهاية المطاف، ستكون هناك حاجة إلى نوع من إعادة هيكلة الدين في العامين
المقبلين}.