الغرب وحرب المفاهيم

قضايا عربية ودولية 2024/04/16
...

علي حسن الفواز



تكشف تعقيدات الصراع بين الغرب وروسيا، عن معطيات تتجاوز الجغرافيا إلى السياسة والثقافة، فبقدر ما يتعرّض له مفهوم "الغرب" من مفارقات ذهنية وثقافية، فإن استمرار الصراع وتضخمه، يدفعان إلى تحويل هذا المفهوم إلى علامة للعنف، وإلى جبهة لتوصيف الأخطار التي يمكن أن تواجه العالم، وربما تفتح الأبواب على صراعات أكثر تعقيدا، ومنها صراع المفاهيم، فوضع روسيا في خانة "الشرق القديم" ليس دقيقا، وغير صالح في التداول السياسي، فما يحدث في أوكرانيا- التي كانت جزءا من الدولة السوفيتية السابقة- يكشف عن هذا الخطل المفاهيمي، مثلما لم تجد   العقوبات على روسيا أثرها في العزل، وفي تغيير المواقف، وحتى حرب الغاز الذي تشمل خارطته أغلب دول " الغرب الأوروبي" وجدت في العناد الروسي موقفا يؤكد الثقل الروسي داخل منظومة الغرب.

الحرب في أوكرانيا، هي حرب في المفاهيم، وفي الجغرافيا، إذ تسعى الولايات المتحدة والغرب في أوروبا - عبر هذه الحرب - إلى وضع حدود لثنائية "الشرق والغرب" لكن ذلك لن يحدث أبدا، فبيئة الصراع الجيوسياسي تُعرّي ذلك الخيار، وتكشف عن المخفي في الرهانات التي يضعها الغرب في سياق مواجهته المفتوحة مع روسيا، رغم وجود "يقين" بأن الحرب في أوكرانيا ستكون كارثية على الجميع، وأن أوروبا ستجد نفسها أمام صعوبات اقتصادية وأمنية بالغة، فروسيا البوتينية لا تخضع للمركزية الغربية بسبب تطبيقات الحرب الباردة، والعقوبات التي تُفرض عليها، وحتى ما تتعرض له من عمليات إرهابية هنا أو هناك، لأن خياراتها بدت واضحة، وأن ترسانتها العسكرية في جهوزية دائمة، وفي استعداد لأيّة ردة فعل عنيفة عسكرية.

التوهم بالإصرار على تداول مفهوم الغرب، لن يصنع واقعا على الأرض، ولا يُضيف شيئا إلى مركزية القوة، فالتحديات الكبرى التي يواجهها هذا "الغرب" سياسيا واقتصاديا تؤشر مدى الخطورة التي ترتبط بالصراع مع روسيا، في مجال التنافس النووي، وفي ستراتيجيات الجغرافيا والموضوع الأوكراني، وكذلك الصراع مع الصين في مجال التنافس التجاري، وفي السجال حول قضية "تايوان"، وهي صراعات مفتوحة على توصيفات وتفسيرات متعددة ومتقاطعة، والتي ستدعو إلى إيجاد تهديدات تخص عوالم "الرفاهية" في الغرب الثقافي، وعوالم "الليبرالية" في الغرب السياسي، فضلا عن تحريضها على صناعة أقطاب دولية، وسياسات أمنية وثقافية تتأجج فيها مظاهر "الحرب الرمادية" بين دول كبرى، لا ترغب في أن تكون محكومة بما هو نمطي في "الحرب الباردة" القديمة.