قمرٌ صناعيٌّ يتعقب «الميثان» على نطاقٍ عالمي

علوم وتكنلوجيا 2024/04/17
...

 مليكة كورانا وهيروكو تابوتشي
 ترجمة: فجر محمد

قبل ستة أعوام مضت، أنجز مجموعة من العلماء ضمن هيئة صندوق الدفاع عن البيئة، مشروعاً بحثياً كبيراً لقياس تسرب غاز الميثان من مواقع استخراج النفط والغاز في مدينة تكساس الأميركيَّة. قامت هذه المجموعة بالبحث في كل مكان، سواء باستخدام الطائرات الاعتياديَّة أو التي من دون طيار والإجراءات على الأرض، فضلاً عن الأجهزة المحمولة يدوياً، ووجدوا أنَّ التسرب كان أسرع بكثير مما أعلنت عنه الشركات.
لقد أدرك العلماء أنَّ الطريقة الوحيدة لاكتشاف الصورة الحقيقيَّة والأكبر لهذا الموضوع هو بناء قمرٍ صناعي يقوم بتعقب غاز الميثان على نطاقٍ عالمي، وهو ما لم تقم به هذه المجموعة العلميَّة من قبل.
وبحسب ستيفن هامبورغ، رئيس العلماء في الهيئة، ومدير المشروع: فإنَّ «الهيئة جمعت فريقاً مكوناً من 70 عالماً ومهندساً من مختلف الأوساط الأكاديميَّة والفضاء والطيران التجاري. كما جمعت الهيئة تبرعات وصلت الى 88 مليون دولار من الجهات المانحة الخيريَّة، وهي ميزانيَّة ضئيلة بالنظر الى نطاق المشروع.
وتم إطلاق القمر الصناعي الى الفضاء مؤخراً، على متن صاروخ ناقل من طراز سبيس أكس.

الاحتباس الحراري
من المعلوم أنَّ غاز الميثان عديم الرائحة واللون، وهو المكون الأساسي للغاز الطبيعي، الذي يتمُّ حرقه في محطات توليد الطاقة والمصانع بجميع أنحاء العالم، كما يوجد في المنازل عبر مواقد الغاز.
ويعدُّ حرق الغاز أنظف بكثير من حرق الفحم، لكنَّه يواجه مشكلة كبيرة فهو معروفٌ بالتسرب من مواقع تنقيب النفط والغاز، إذ ينفذ من خطوط الأنابيب الناقلة للغاز الذي يجب أنْ يصلَ الى وجهته المحددة.
تقوم بعض الجهات المشغلة للمشاريع بإطلاق غاز الميثان بكل بساطة في الهواء، بدلاً من التقاطه بالكامل واستثماره في البنية التحتيَّة. علماً أنَّ هذا الأمر يعجل بتغير المناخ. فعندما يتسرب غاز الميثان الى الغلاف الجوي، يتحول إلى غطاءٍ ثقيلٍ في السماء، ويحبس حرارة الشمس ويرفع درجة حرارة العالم.
يلتقط غاز الميثان خلال السنوات العشرين الأولى من وجوده في الغلاف الجوي، حرارة تعادل 80 مرة مقارنة بما يلتقطه ثاني أوكسيد الكاربون، وهو غاز الدفيئة الأساسي في الأرض. ولكنْ ولحسن الحظ لا يبقى الميثان فترة طويلة كما يفعل ثاني أوكسيد الكاربون.
ويرى العلماء أنَّ انبعاث غاز الميثان بفعل الإنسان يقدر بنحو 30 بالمئة من مسؤوليَّة الاحتباس الحراري الحاليَّة.
يذكر أنَّ بعض الشركات لا تستثمر ما يكفي بتكنولوجيا كشف التسرب، ولا ترحب بالمفتشين الباحثين عن مناطق التسرب. رغم أنَّ اكتشاف مكان حدوث انبعاثات غاز الميثان وحجمها ومسؤوليتها كان يشكل تحدياً كبيراً في الماضي، فقد كانت مواقع الحفر خالية من هذا النشاط.

التقاط مصادر الانبعاثات
يحمل القمر الصناعي؛ وهو بحجم غسالة صحون؛ أدواتٍ دقيقة، بضمنها مقياس الطيف الذي يستخدم الضوء المنعكس من سطح الأرض لتحديد وحساب كميَّة الميثان في ذلك الجزء من الغلاف الجوي. تقوم العديد من الأقمار الصناعيَّة بمراقبة غاز الميثان، سواء بمسح مناطق أوسع بدقة أقل، أو تحدد أهدافاً مسبقة على نطاقٍ ضيق. تقع قدرات مشروع «ميثان سات» الصناعي ضمن منطقة وسطى. وتقوم بعض المشاريع التجاريَّة بتحديد أماكن وجود غاز الميثان أيضاً، ولكنْ تبقى البيانات ملكاً لها فقط.
وبحسب قائد المشروع فإنَّ هذا القمر الصناعي قادرٌ على اكتشاف التغيرات في تراكيز الغاز التي تصل الى ثلاثة أجزاء المليار في الغلاف الجوي، الأمر الذي يسمح له بالتقاط مصادر انبعاثات أصغر من تلك التي تلتقطها الأقمار الصناعيَّة الأخرى. ولكنْ يتمتع ميثان سات أيضاً بقدرته على إجراء المسح وعلى نطاقٍ أوسع، ومجال رؤية كبير جداً، ما يسمح له باكتشاف مواقع الانبعاثات التي تعرف بالبواعث الفائقة.
تقوم هيئة تحليل البيانات باستخدام الحوسبة السحابيَّة للاعتماد على الخوادم الخارجيَّة البعيدة في الانترنت عوضاً عن الكومبيوترات الشخصيَّة) والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا التي طورتها شركة غوغل لكونها شريكاً في هذه المهمة العلميَّة، وإتاحة البيانات العامَّة من خلال منصة (غوغل ايرث اينجن).

بيانات القمر ستتاح مجاناً
ويبين ستيفن هامبورغ أنَّ القمر الصناعي يستهدف كشف نحو 80 إلى 90 بالمئة من إنتاج النفط والغاز العالمي، أثناء قيام القمر بدوراته اليوميَّة حول الأرض وبحدود 15 دورة. وينبغي أنْ يغطي ذلك جزءاً كبيراً من انبعاثات غاز الميثان التي يتسبب بها الإنسان.
كما أنَّ من مصادر الانبعاثات الأخرى الكبيرة لغاز الميثان هي مطامر النفايات وتجشؤ الأبقار.
يشير علماء الهيئة إلى أنَّ بيانات «ميثان سات» ستتاح مجاناً مطلع العام المقبل، ليسمح لشركات النفط والغاز ومراقبي البيئة بالعثور على التسربات وإصلاحها بشكلٍ أسرع.
كما يأمل العلماء أيضاً من تمكين مجموعة أوسع من المسؤولين المنتخبين والمستثمرين ومشتري الغاز والجمهور أيضاً من معرفة من المسؤول عن التسريبات بسهولة أكبر لمحاسبته.
ويتزامن إطلاق القمر الصناعي مع الجهود المبذولة في جميع أنحاء العالم لتنظيم غاز الميثان بشكلٍ أفضل. فعلى سبيل المثال تفرض قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة حدوداً على انبعاثات الميثان في واردات النفط والغاز، الأمر الذي يفرض ضغوطاً على المنتجين الرئيسيين في الخارج.

عن صحيفة نيويورك تايمز الاميركيَّة