معادلات الردع تقلب موازين الصراع

آراء 2024/04/18
...

 نازك بدير*

على الرغم من امتلاك طهران ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية والتي تعدّ من أكبر الترسانات في الشرق الأوسط، ومنها الصواريخ الفرط الصوتيّة التي تنطلق بسرعة تزيد خمس مرات على الأقلّ عن سرعة الصوت، وفي مسارات معقّدة ما يجعل من الصعب اعتراضها، غير أنّ قرار إيران في الردّ على الاعتداء على القنصليّة في دمشق وكيفيّته وحجمه حمل دلالات متعدّدة:

1 - حدّدت طهران أهدافا واضحة للعمليّة وتمكّنت من الوصول إليها وإيقاع خسائر فيها؛ 

تمّ استهداف «مركز استخباري إسرائيلي شمال الجولان ينفّذ عمليّات تجسّس ضدّ قوّات المقاومة في سوريا»، واستخدِم في التخطيط وتنفيذ العمليّة التي استهدفَت القنصليّة الإيرانيّة في دمشق مطلع الشهر الحالي. وصرّح اللواء محمد حسين باقري، للتلفزيون الرسمي الإيراني أنّ «العملية» استهدفت «قاعدة نيفاتيم الجويّة، حيث اُستخدمت طائرات إف- 35 «لاستهداف قنصليتنا في دمشق». وهي قاعدة رئيسة لمقاتلات ف-35وتقع في جنوب الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، بالقرب من مدينة بئر السبع في صحراء النقب.

2 - كتْم حجم الخسائر من قِبل العدوّ ( المسكوت عنه)، يشير إلى أنّ العمليّة حقّقت أهدافها في العمق، على الرغم من محاولة الكيان وعملائه إفراغ مضمون الردّ وحجمه من خلال ادّعاء اعتراض 99% من الصواريخ والمسيّرات وإسقاطها.

3 - محاولة الترويج أنّ إيران لم تنجح في الوصول إلى أهدافها هي محاولة مستميتة من قبل الكابينت لامتصاص حجم الضربة، ولعجزها عن فتح مواجهة شاملة في ظلّ غرَق حليفتها واشنطن في مستنقعات داخليّة، وخارجيّة.

4 - كسرت طهران حلم نتياهو الأخير أنّ ثمة من سيدافع عنه في حال تعرّض إلى هجوم نتيجة الحماقات التي يرتكبها. الردّ الإيراني جاء واضحًا وقاطعًا: اعتراض الصواريخ من قبل أيّ جهة يعني الزجّ بنفسها في أتون المعركة.

5 - طهران لم تَرِد العمليّة رسالة دمويّة؛ رسالة سريعة خاطفة إلى الكابينت وبايدن أنّ قواعد الصراع من الآن وصاعًدا تبدّلت.

6 - ازدياد الشرخ في داخل حكومة الكيان؛ إضافة إلى خلافاتهم حول الإبادة المرتكبة في غزة وإخفاقهم في تحقيق أهدافهم، والضغط من قبل أهالي الأسرى لدى الفصائل المقاومة، استجدّ بعد 14 إبريل عامل آخر يُضاف إلى الصراعات السابقة، ويزيد من شرذمة الكابينت بين مَن يذهب إلى التحريض على التورّط في الردّ على الردّ، والخوف من تخلّي واشنطن عنهم نتيجة عدم القدرة على اتخاذ القرار من دون ضوء أخضر أميركي. وقد صرّح مستشار سابق في مجلس الحرب أنّ « إسرائيل ستردّ في الظروف والوقت المناسب»، ولعلّه خطاب جديد في السياسة الإسرائيلية ينمّ عن حذر غير مسبوق نتيجة حجم العمليّة التي تمّت.

7 - ما حصل هو نقطة مفصليّة في الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، وهو مجرّد رسالة وجهتها الجمهوريّة الإسلاميّة أنّ قواعد الصراع تغيّرت، وما قبل 14 إبريل لن يكون كما بعده،

 باعتراف جنرالات الحرب الذين أعلنوا أنّهم أمام جبهة جديدة في الشرق الأوسط، وسيناريو جديد له تأثير ليس على» إسرائيل» فحسب، إنّما على المصالح الاميركية في المنطقة. 

8 - الكيان المحاط بدعم غربي لم يستطع ردع إيران، في حين أنّها بما تمتلكه ( صواريخ فرط صوتيّة، بالستيّة، كروز، مسيّرات، وتهديد فعلي بضرْب مَن يعترض هذه الصواريخ العابرة للأجواء باتجاه الكيان) جعلها تفرض نفسها لاعبًا لا يمكن إلّا إعادة النظر إليه بوصفه مركزًا أساسيًّا ليس في المنطقة وحدها، إنّما قوة لها تأثير وامتداد عالمي، سواء على الصعيد الأمني أو الاستراتيجي. 

وما تمّ ليل الرابع عشر من الشهر الجاري هو جزء من الفاتورة، وإعادة تصويب البوصلة.


 كاتبة لبنانيّة