جذور إنكار وجود الشعب الفلسطيني

منصة 2024/04/22
...

 د. نادية هناوي

كان لدراسة ادوارد سعيد (الاستشراق) دور كبير في الوقوف عن كثب على حقائق دامغة وخطيرة، كشف عن قسم كبير منها في كتابه (مسألة فلسطين) 1980، وغايته تجلية أبعاد ما خفي منها عن القارئ الغربي الذي طالما وقع تحت التأثير الإعلامي الذي صنعته وما زالت تصنعه دوائر اللوبي الصهيوني بشكل مستمر ومخطط ومنهجي. وتتأكد أهمية ذلك كله في دفاع سعيد عن القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في استرداد أراضيهم المستلبة. فكان يعرض تلك الحقائق واحدة تلو الأخرى، مدعماً إياها بالوثائق التاريخيّة والأعمال الأدبيّة والسياسيّة التي تعرض طريقة تطبيق المخطط الاستعماري على الشعب العربي في فلسطين خاصة والشرق الأوسط عامة.

وفي الفصل الثاني من كتاب (مسألة فلسطين) يتتبع ادوارد سعيد جذور الحركة الصهيونيَّة وكيف بدأت عنصريتها في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ومن روّج لها من دهاقنة الفكر الاستعماري وعرابي الصهاينة أمثال موزس هيس وثيودور هرتزل إلى جانب من ضُللوا بالمزاعم الصهيونية كالروائية جورج اليوت، يقول سعيد:    

(إنَّ التنوير، والحرية، والخلاص - وهي أمور أساسية بالنسبة إلى جورج إليوت - تقتصر في رواية «دانيال ديروندا» على الأوروبيين واليهود، الذين يعدون أنفسهم نماذج أوروبية فيما يتعلق باستعمار الشرق. وعلى الرغم من أن جميع أوصاف إليوت لليهود تؤكد مناحيهم الشرقية- الغريبة، فإنَّ ثمة حصراً مقصوداً حين يتعلق الأمر بأخذ أي شيء غير أوروبي في الاعتبار. يبدو أن الإنسانيَّة والتعاطف ليسا منحة لأي شيء، بل عقلية غربية، وأن البحث عنهما في الشرق الاستبدادي، ناهيك عن العثور عليهم، هو مضيعة للوقت.

ثمة نقطتان يجب توضيحهما على الفور. الأولى أن إليوت لا تختلف عن غيرها من رُسُل التعاطف والإنسانيَّة والتفاهم الأوروبيين الذين تركوا مشاعرهم النبيلة في أوروبا أو أصبحت مشاعرهم غير قابلة للتطبيق برمجيًا خارج أوروبا وهناك أمثلة عدة.. والحقيقة هي أن الثقافة الأوروبية في القرن التاسع عشر كانت عنصريَّة بدرجة من الخبث أكبر أو أقل اعتمادًا على الفرديّة. 

فعلى سبيل المثال، كان الكاتب الفرنسي إرنست رينان، معاديًا صريحًا للسامية، وإليوت لم تكن مبالية بالأعراق التي لا يمكن استيعابها في الفكر الأوروبي. وهنا نأتي إلى النقطة الثانية. كان المقصود من وصف إليوت للصهيونية في رواية «دانييل ديروندا» أن يكون الأمر نوعاً من الاستجابة الأمميَّة للتيارات اليهودية الصهيونية السائدة؛ ومن ثم فإن الرواية هي بمثابة إشارة لإضفاء الشرعيَّة على الصهيونية وتقديرها بالفعل من قبل الأمميين.

في ما يتعلق بقضية واحدة مهمة، كان هناك اتفاق كامل بين النسختين الأممية واليهودية للصهيونية: نظرتهم إلى الأرض المقدسة باعتبارها خالية أساسًا من السكان وليس بسبب عدم وجود سكان، فقد تم انكار وجودهم، وهم الذين تم وصفهم بشكل متكرر في العديد من كتب الرحلات والروايات مثل رواية «تانكرد» لبنجامين دزرائيلي وحتى في البايديكرز المعروفة في القرن التاسع عشر ولكن تم تجاهل وضع هؤلاء السكان - كمواطنين بشر ولهم سيادة- بشكل منهجي في حين كان من الممكن التمييز بين الصهاينة اليهود والصهاينة غير اليهود. حول هذه النقطة (أي تجاهل السكان العرب لأسباب مختلفة)، يكون تجاهل العربي الفلسطيني هو ما يحتاج إلى إثبات: كي نعرف إلى أي مدى تغوص جذور الصهيونية اليهودية والأممية في الثقافة الرأسمالية الليبرالية الرفيعة؟، وكيف عززت أعمال طلائع الليبراليين مثل جورج إليوت، وربما أكملت أيضاً، جذب الميول نحو تلك الثقافة؟. 

لا ينطبق أي مما قلته حتى الآن بشكل مناسب على ما تعنيه الصهيونية بالنسبة لليهود أو ما تمثله كفكرة متقدمة لغير اليهود المتحمسين؛ إنه ينطبق حصريًا على تلك الكائنات الأقل حظًا التي تصادف أنها تعيش على الأرض نفسها، ولم يتم الاهتمام بها. 

ما تم نسيانه منذ زمن طويل هو ما بين الذي كان المفكرون الأوروبيون المهمون يخططون للمصير المرغوب به لفلسطين، ثم المصير المحتمل فيما بعد، وبين الذي كانت عليه الأرض من حرث وزرع، وما بني فيها من القرى والبلدات يعيش داخلها آلاف السكان الأصليين الذين آمنوا أنها وطنهم. في هذه الأثناء تم تجاهل كيانهم الجسدي الفعلي؛ وأصبح لاحقا بمثابة تفاصيل مزعجة. ومن اللافت للنظر أن اليوت تبدو شبيهة بموزس هيس وهو مفكر صهيوني متقدم سيستعمل في كتابه روما والقدس (1862) اللغة النظرية نفسها التي ستُعطى لمردخاي:

ما يتعين علينا القيام به في الوقت الحاضر من أجل تجديد الأمة اليهودية هو أولًا، أن نحافظ على الأمل في النهضة السياسية لشعبنا، وبعد ذلك، إيقاظ ذلك الأمل الذي كان نائمًا. وعندما تتشكل الظروف السياسية في الشرق بحيث تسمح بتنظيم بداية استعادة الدولة اليهودية، فإن هذه البداية سوف تعبر عن نفسها في تأسيس مستعمرات يهودية في أرض أجدادهم، وهو المشروع الذي ستساعده فرنسا بلا شك. فرنسا، الصديق الحبيب، هي المنقذ الذي سيعيد لشعبنا مكانته في التاريخ العالمي. 

وكما بحثنا نحن الغربيين ذات يوم عن طريق إلى الهند، واكتشفنا بالمصادفة عالمًا جديداً، فكذلك سيتم اكتشاف وطننا الأم المفقود على الطريق إلى الهند والصين الذي يجري بناؤه الآن في الشرق».

يواصل هيس أنشودته لفرنسا (بما أن كل صهيوني رأى راعيًا في واحدة أو أخرى من القوى الإمبريالية) بهذا الاقتباس وبشكل مطول من كتاب إرنست لاهاران «السؤال الشرقي الجديد»، والذي يستمد منه هيس المقطع الآتي لإلقاء خطابه: 

«إن الدعوة العظيمة محفوظة لليهود: أن يكونوا وسيلة اتصال حيَّة بين القارات الثلاث. وستكونون حاملي الحضارة للشعوب التي لا تزال عديمة الخبرة، ستكونون معلميهم العلوم الأوروبية، التي أسهم فيها جنسكم كثيرًا. 

ستكونون الوسطاء بين أوروبا وآسيا البعيدة لفتح الطرق المؤدية إلى الهند والصين - تلك المناطق المجهولة التي يجب أن تكون مفتوحة في نهاية المطاف - الحضارة ستأتي إلى أرض آبائكم مزينة بتاج الاستشهاد، وهناك، فقط، ستكونون شفيتم تمامًا من كل عللكم! سوف تعود عاصمتكم مرة أخرى ومساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة؛ وسيحول عملكم وصناعتكم مرة أخرى الروح القديمة إلى وديان مثمرة، مستعادة من رمال الصحراء الزاحفة، وسيقدم العالم مرة أخرى إجلاله لـ «أقدم الشعوب».

ويتفق هيس وإليوت على أن الصهيونية سينفذها اليهود بمساعدة القوى الأوروبية الكبرى؛ وأن الصهيونية ستعيد «أرض الآباء المفقودة»، وبذلك تقوم بالتوسط بين الحضارات المختلفة؛ وأن فلسطين الحاضرة بحاجة إلى الزراعة والحضارة وإعادة البناء؛ وأن الصهيونية ستجلب التنوير والتقدم في النهاية حيث لم يكن هناك أي منهما في الوقت الحاضر.

 إن الفكر الثلاث التي اعتمدت على بعضها بعضا عند هيس وإليوت - وبعد ذلك عند كل مفكر أو أيديولوجي صهيوني – هي كالآتي: أ- السكان العرب غير موجودين، ب- الموقف اليهودي الغربي النهائي أن الأرض فارغة، ج- المشروع الصهيوني التصالحي، الذي سيتكرر من خلال إعادة بناء الدولة اليهودية المتلاشية ودمجها مع عناصر حديثة مثل المستعمرات المنضبطة المتعددة، ووكالة خاصة للاستيلاء على الأراضي، وما إلى ذلك. 

وبطبيعة الحال، لم يكن لأي من هذه الأفكار أن تكون لها قوة لولا حقيقة أنّها موجهة على مستوى دولي (أي غير شرقي بل أوروبي). كان هذا السياق هو الواقع، ليس فقط بسبب المنطق العرقي الذي يحكم المشروع برمته، ولكن أيضًا بسبب الصنيع العاطفي لواقع الشتات والهيمنة الإمبريالية على السلسلة الكاملة للثقافة الأوروبية. ومع ذلك، لا بدَّ من الإشارة إلى أن الصهيونية (مثل النظرة إلى أمريكا باعتبارها أرضًا فارغة يسيطر عليها البيوريتانيون) كانت رؤية استعمارية تختلف عن رؤية معظم القوى الأوروبية الأخرى في القرن التاسع عشر، والتي كانت بالنسبة إلى السكان الأصليين في المناطق النائية متضمنة في مهمة التحريض الحضاريَّة.

منذ المراحل الأولى لتطورها الحديث حتى بلوغها الذروة بإنشاء إسرائيل، جذبت الصهيونية الجمهور الأوروبي الذي كان يرى تصنيف أقاليم ما وراء البحار وتوزيع السكان الأصليين بين فئات مختلفة غير متساوية أمرا قانونيا وطبيعيا بالنسبة إليهم. 

ولهذا السبب، فإن كل دولة أو حركة في المناطق المستعمرة سابقا في أفريقيا وآسيا اليوم تتعاطف مع النضال الفلسطيني وتدعمه وتتفهمه بشكل كامل. في العديد من الحالات - كما آمل أن أبين الآن-هناك تطابق لا لبس فيه بين تجارب ما عاناه الفلسطينيون العرب على أيدي الصهيونية وتجارب هؤلاء الأشخاص السود والصفر والبنيين الذين وصفهم إمبرياليو القرن التاسع عشر بأنهم أقل شأنا وأدنى من البشر. على الرغم من أنها تزامنت مع عصر معاداة السامية الغربية الأكثر شراسة، فقد تزامنت الصهيونية أيضًا مع حقبة من الاستيلاء الأوروبي على الأراضي بشكل لا مثيل له في أفريقيا وآسيا، وكانت الصهيونية - حين تم إطلاقها في البداية على يد ثيودور هيرتزل- جزءًا من هذه الحركة العامة للاستحواذ والاغتصاب.

خلال الجزء الأخير من أعظم حقبة توسع استعماري أوروبي، قامت الصهيونية أيضًا بخطواتها الأولى الحاسمة على طريق الحصول على ما أصبح الآن منطقة آسيوية كبيرة. ومن المهم أن نتذكر أن الصهيونية، بانضمامها إلى التعصّب الغربي العام في الاستحواذ على الأراضي في الخارج الأوروبي، لم تتحدث أبدا عن نفسها بشكل لا لبس فيه كحركة تحرير يهودية، بل كحركة يهودية للاستيطان الاستعماري في الشرق.

بالنسبة للضحايا الفلسطينيين الذين شردتهم الصهيونية، لا يمكن أن يعني ذلك أي شيء على سبيل أن اليهود كانوا ضحايا معاداة السامية الأوروبية. 

ونظرًا لاستمرار إسرائيل في قمع الفلسطينيين، فإن القليل منهم قادر على رؤية ما وراء الواقع بمجرد أن أصبح ضحية، أما اليهود الغربيون داخل إسرائيل فأصبحوا القامعين (للعرب الفلسطينيين واليهود الشرقيين).

وليس المقصود من هذه الملاحظات أن تكون ملاحظات تاريخيّة استرجاعيّة، لأنّها تشرح بطريقة حيوية للغاية، بل وتحدد، الكثير مما يحدث الآن في الشرق الأوسط. إن حقيقة عدم تمكن أية شريحة كبيرة من السكان الإسرائيليين حتى الآن من مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي الرهيب الذي تعرض له السكان الفلسطينيون الأصليون هي مؤشر على مدى تجذر وجهة النظر الإمبريالية الشاذة للصهيونية إلى العالم وإحساسها بالآخر المحلي الأدنى. 

والحقيقة أيضا أن لا فلسطيني- بغض النظر عن انتمائه السياسي- قادراً على التصالح مع الصهيونية، فالصهيونية بدت، بالنسبة إلى الفلسطينيين، بمثابة ممارسة استعمارية إقصائية وتمييزية لا هوادة فيها. لقد كان التمييز الصهيوني الجذري قوياً بين اليهود ذوي الامتياز في فلسطين وبين غير اليهود المحرومين هناك، وتم إتباعه من دون تردد، لدرجة أنه لم يبرز أي تصور آخر لمعاناة الوجود الإنساني من المعسكرين اللذين خلقهما ذلك التمييز. 

يتعين على اليهود أن يفهموا المأساة الإنسانية التي سببتها الصهيونية للعرب الفلسطينيين؛ بل كان من المستحيل عليهم أن يروا في الصهيونية أي شيء سوى أيديولوجية وممارسة تبقيهم، ويهودا إسرائيليين، مسجونين. ولكن لكي نكسر دائرة اللاإنسانية التي تحيط بهم، يتعين علينا أن نفهم كيف تمت صياغتها، وهنا تلعب الأفكار والثقافة الدور الرئيس نفسه.

ولنتأمل هنا هرتزل. وإذا كانت قضية دريفوس هي التي جلبته لأول مرة إلى الوعي اليهودي، فإنّ فكرة الاستيطان الاستعماري لليهود في الخارج هي التي جاءت إليه في الوقت نفسه تقريبًا كترياق لمعاداة السامية. وكانت الفكرة نفسها رائجة في نهاية القرن التاسع عشر، حتى كفكرة لليهود. كان أول اتصال مهم لهرتزل هو البارون موريس دي هيرش، وهو فاعل خير ثري كان لبعض الوقت وراء جمعية الاستعمار اليهودي لمساعدة اليهود الشرقيين على الهجرة إلى الأرجنتين والبرازيل.

وفي وقت لاحق، فكر هرتزل بشكل عام بأمريكا الجنوبية ثم بأفريقيا كأماكن لإنشاء مستعمرة يهودية. وكانت كلتا المنطقتين مقبولة على نطاق واسع كمكانين للاستعمار الأوروبي، وربما يكون من المفهوم أن يتبع فكر هرتزل المسار الإمبريالي التقليدي في عصره. لكن الشيء اللافت للنظر هو الدرجة التي استوعب بها هرتزل المنظور الإمبريالي بشأن السكان الأصليين وأراضيهم.

لم يكنْ من الممكن أن يكون هناك أي شك في ذهن هرتزل أن فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر كانت مأهولة بالسكان. صحيح أنّها كانت تحت الإدارة العثمانية (ومن ثم كانت مستعمرة بالفعل)، لكنها كانت موضوعًا لعدد من كتب الرحلات ومعظمها لمشهورين مثل لامارتين، شاتوبريان، فلوبير، وآخرين. ومع ذلك، وحتى لو لم يمكن هرتزل قد قرأ لهؤلاء المؤلفين، فمن المؤكد أنه كصحفي قد اطلع على كتيب الباديكر وتأكد من أن فلسطين كانت مأهولة بالفعل (في ثمانينيات القرن التاسع عشر) وكان عدد سكانها 650 ألفًا معظمهم من العرب. 

لكن هذا لم يمنعه من أن يعتبر وجودهم أمرًا يمكن التحكّم فيه بطرق، وضَّحها في مذكراته مع توقعات مخيفة إلى حدٍّ ما عمّا سيحدث لاحقًا. 

وأضاف أنه كان من المقرر مصادرة ملكيات أعداد كبيرة من السكان الأصليين الفقراء، وأضاف: «يجب أن تتم مصادرة وإبعاد الفقراء بتكتم وحذر». 

وكان من المقرر أن يتم ذلك من خلال «تشجيع السكان المعدمين على عبور الحدود بما كانت توفر لهم بلدان العبور هناك من فرص العمل، مع حرمانهم من أي عمل في بلدنا». 

وبسخرية بالغة الدقة، تنبّأ هرتزل بأن الطبقة الصغيرة من كبار ملاك الأراضي يمكن «الحصول عليها مقابل ثمن» - كما حدث بالفعل. إن المخطط الكامل لتهجير السكان الأصليين في فلسطين يفوق بكثير أي من الخطط المتداولة للسيطرة على مناطق واسعة من أفريقيا. كما يقول ديزموند ستيوارت على نحو آخر: 

«يبدو أن هرتزل توقع أنه إذا ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه أي مستعمر حتى الآن في أفريقيا، فإنه سيؤدي، مؤقتًا، إلى تنفير الرأي المتحضر. «في البداية، بالمناسبة،» يكتب على الصفحات التي تصف «المصادرة غير الطوعيّة،» «سوف يتجنبنا الناس. إن أثرنا سيء. وبحلول الوقت الذي تكتمل فيه إعادة تشكيل الرأي العام العالمي لصالحنا، سنكون راسخين في بلدنا، لم نعد نخشى تدفق الأجانب، ونستقبل زوارنا بكرم أرستقراطي ولطف متفاخر». ولم يكن هذا مشهدا لجذب أحد الكادحين في الأرجنتين أو الفلاشاafellah   في فلسطين. لكن هرتزل لم يكن ينوي النشر الفوري ليومياته. 

لا يحتاج المرء إلى قبول النغمة التآمرية لهذه التعليقات (سواء كانت تلك التي اتسم بها هرتزل أو ستيوارت) بشكل كامل كي يسلِّم بأن الرأي العالمي لم يكن مهتما باحتلال فلسطين، إلا خلال ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، عندما فرض الفلسطينيون وجودهم على السياسة العالميّة. 

قلت سابقًا إن الانجاز الصهيوني في هذا الصدد هو حصوله على شرعية دولية، ولم يكن لرد الفعل الفلسطيني أية أهمية. 

ولكن من الواضح من فكر هرتزل أن ذلك لم يكن من الممكن أن يتم إلا إذا كان هناك ميل أوروبي سابق للنظر إلى السكان الأصليين على أنهم لا علاقة لهم في المقام الأول. 

أي أن هؤلاء السكان الأصليين يتناسبون بالفعل مع شبكة تصنيفيّة مقبولة إلى حدٍّ ما، مما جعلهم أدنى مرتبة من البيض أو عموم الغربيين - وهذه الشبكة هي التي استولى عليها الصهاينة مثل هرتزل، حيث قاموا بتوظيفها من الثقافة العامة بحسب احتياجات اليهودية المتنامية. 

يحتاج المرء إلى التكرار أن الصهيونية خدمت الأهداف التي تبرر بلا شك التقاليد اليهودية، وإنقاذ اليهود من التشرد ومعاداة السامية وإعادتهم إلى الأمة، وتضامنت أيضًا مع تلك المناحي في الثقافة الغربية المهيمنة (التي فيها كانت الصهيونية قد تأسست) وما كان الأوروبيون ينظرون به إلى غير الأوروبيين على أنهم أقل شأنا وهامشيون وليست لهم أهمية). 


 الإحالات

الباديكيرز: هو كتيب مصور ودليل ارشادي للمسافرين الآتين من أوروبا الى الشرق وشاع استعماله في القرن التاسع عشر. وباديكير هو اسم الناشر الالماني كارل باديكر الذي قامت شركته بوضع معايير الكتيبات الارشادية للسفر بدءًا من ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

 ديزموند ستيوارت (1924 - 1981) كاتب بريطاني يتحدث العربية بطلاقة، عمل لسنوات عدة في بغداد وبيروت والقاهرة. ألّف عددًا من الكتب عن الثقافة والتاريخ المصري والعربي، وله عدد من الروايات، أهمها: «الفهد في العشب» (1953)، «الرجل الإنجليزي غير المناسب» (1955)، ثلاثية «تسلسل الأدوار»، «الفسيفساء المستديرة» (1965)، «بوصة الهرم» (1966)، «المماليك» (1968). 


 تطلق الفلاشا على يهود الحبشة.

 The question of Palestine a compelling call for identity and justice , Edward W. Said, published by Times books , first edition, New York, USA ,1980, p 65-72.