الكتابة سلوكًا شخصيًّا

آراء 2024/04/22
...

 حمزة مصطفى 

لست أعرف ماهو الدافع الذي يجعل شخص ما لا يعرفك ولا تعرفه. ليس بينك وبينه لا صداقة ولا عداوة. لا وئام ولا خصومة يسمح لنفسه بمهاجمتك لمجرد انك قلت رأيا حتى لو لم يعجبه. المشكلة في كثير من الأحيان طابع الهجوم العادي الذي يمكن فهمه أو تفهمه في إطار المساحة المفتوحة والمتاحة للرأي والرأي الآخر إلى الهجوم الشخصي والذي يبلغ حد الشتيمة.

آلان دونو الكاتب الكندي المعروف يفسر ذلك في إطار ما يسميه « نظام التفاهة» وهو عنوان كتابه الشهير الذي تولت الدكتورة مشاعل الهاجري ترجمته ووضع مقدمة رائعة له، بينما يسميه المفكر الفرنسي المعروف غوستاف غوبون « عالم القطيع والرعاع» في كتابه ذائع الصيت هو الآخر « سيكولوجيا الجماهير». وعالم القطيع هو ما نسميه نحن في أمثالنا « حشر مع الناس عيد»، حيث إن الجماهير تنجر وراء العاطفة ولا توجد محددات عقلانية ومنطقية في قيادتها. 

قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ووسائطه كانت للكتابة معايير صارمة. والكلام يوزن بماء الذهب. 

وللامام علي بن أبي طالب عليه السلام مقولة ذات دلالة، فحواها انه اتمنى ان تكون لي رقبة كرقبة البعير من أجل التأني في الكلام وقبل إطلاق الأحكام التي كثيرا ما تكون على عواهنها بدون حساب عواقبها. 

لكن بعد انتشار هذه الوسائل والوسائط صار بإمكان كل فرد يملك حسابا في منصة أن يقول ما يشاء ويطلق من الأحكام ما يحلو له دون حسيب أو  رقيب. 

ولأنه يفترض أن يكون الضمير حاضرا في ظل غياب المعايير العامة التي تحددها الانظمة والمعايير فإن من الواضح أن لدى الكثير من البشر غيابا جماعيا للضمير. 

شخصيا عشت تجربة الاسبوع الماضي حين كنت في واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية ضمن الوفد المرافق لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني. 

ففي إطار مشاهداتي فقد لفتت نظري ظاهرة بدت غريبة في بلد مستقر مثل الولايات المتحدة، وهي احاطة مقر إقامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالصبات الكونكريتية، فضلا عن وقوف عشرات اللوريات المتوسطة وهي تحمل اكياسا من الرمل والملح. 

بدا المنظر غريبا ولا ينسجم لا مع طبيعة الأمن والاستقرار، التي تجدها في كل زاوية في واشنطن ولا مع فخامة الفندق، الذي يعود بناؤه إلى القرن التاسع عشر. 

حين سألت عن سبب ذلك قالوا انه يعود إلى إجراءات أمنية عالية المستوى، لا سيما مع كبار الضيوف. 

سجلت فيديو قصيرا أردت من خلاله اعطي رسالة ان هناك اهتماما برئيس وزراء العراق. لم أتصور حجم ما بدا من هجمة كراهية قاسية في التعليقات عند انتشار الفيديو وكأنني ارتكبت إحدى الكبائر. وبالعودة إلى الآن دون في « نظام التفاهة» وغوستاف لوبون في « سيكولوجيا الجماهير» تجد ان غالبية الردود والتعليقات تجمع بين ماهو « تافه» حد الانحطاط في التعبير عما يبدو رأيا أو موقفا وبين فكرة القطيع عند لوبون أو حشر مع الناس عيد طبقا لموروثنا الاجتماعي. فالاصل في رد الفعل حيال مضمون الفيديو هو الذهاب إلى أقصى مدى في الهجوم الشخصي وكأنك مسست إحدى عقائده أو مقدساته بينما انت تتناول ظاهرة عامة تنطوي على مفارقة تلتقطها عين الصحفي التي تتحول إلى كاميرا تأسر كل شى أمامها لكي تحوله إلى صورة متحركة وناطقة بصرف النظر عن درجة أو مستوى الاحتراف أو حتى الهدف. الامر في النهاية لا يحتاج إلى هذا النوع المتقدم من الارهاب الشخصي لمجرد قلت رأيا لا يعجبك.