بعد زيارة السوداني.. واشنطن وبغداد نحو تصحيح المسارات

آراء 2024/04/23
...

عادل الجبوري

 ربما تعدّ زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للولايات المتحدة الأميركية، الأطول من بين كلِّ زياراته وجولاته الخارجيَّة، منذ توليه المنصب التنفيذي الأول في العراق، منتصف شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2022. إذ إنه وعلى مدار ستة أيام كان برنامج السوداني والوفد الكبير المرافق له، حافلاً بعشرات اللقاءات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، بدءاً من الرئيس جو بايدن، مروراً بوزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي، وصولاً إلى المدراء الكبار في المؤسسات المالية والاقتصادية المهمة. وكذلك اللقاءات والاجتماعات مع رؤساء كبريات الشركات الأميركية المتخصصة في مجالات الطاقة، فضلاً عن الندوات والمحاضرات في عدد من مراكز الدراسات والبحوث الستراتيجية المهمة، إلى جانب اللقاء مع أبناء الجالية العراقية في بعض الولايات والمدن الأميركية.
 وفي مجمل أحاديثه وأطروحاته، كان السوداني واضحاً في تأشير المشكلات والأزمات المختلفة، ودقيقاً في تشخيص الحلول والمعالجات المطلوبة لها، سواء تلك المتعلقة بالأوضاع العراقية الداخلية، أو تلك المتعلقة بالأوضاع الإقليمية والدولية العامة.  "تجاوز العراق الكثير من المخاطر والتحديات على امتداد أعوام، ونجح في تحويل التهديدات إلى فرص، وبات يتمتع اليوم باستقرار سياسي وأمني واقتصادي غير مسبوق، وتحوّل من عنصر سلبي ومنطلق للتأزم والتأزيم، إلى عنصر إيجابي له القدرة على صياغة وبلورة الحلول العملية الناجعة في محيطه الإقليمي، وبيئة جاذبة للنشاطات الاقتصادية الكبيرة والاستثمارات المالية الناجحة". لعلَّ هذا جزء من مضمون وفحوى ما طرحه السوداني في واشنطن، وكل ذلك بمثابة رسائل سياسية مهمة، أثبتها الواقع القائم على الأرض خلال عام ونصف العام من الحراك المتعدد الاتجاهات والمستويات والعناوين والمساحات.   ومن دون شك، أنَّ الولايات المتحدة الأميركية، مثلما كانت معنية بمجمل التداعيات السلبية التي أثقلت كاهل العراق على مدى عقود من الزمن، فإنها معنية بمسيرة نهوضه الاقتصادي وانفتاحه السياسي، واستقراره المجتمعي، ليس من باب الوصاية والاحتلال العسكري، وإنما انطلاقاً من مقتضيات الشراكة والعلاقات البناءة القائمة على أساس احترام السيادة، وترسيخ مبدأ المصالح المتبادلة بإطاره الواسع والشامل.  ولعل إعادة توصيف مهام التحالف الدولي في العراق، وإنهاء التواجد العسكري الأجنبي على أراضيه، في ضوء المتغيرات الحاصلة والحقائق الجديدة، يمثلان أولوية أساسية ومدخلاً سليماً لتصحيح المسارات الخاطئة والانطلاق بمسارات صائبة، تنتهي إلى نتائج ومخرجات مثمرة.   وبقدر ما كان التواجد الأجنبي، بمظاهره العسكرية وغير العسكرية، يعدّ جزءاً من الأزمة العراقية طيلة عقدين من الزمن، فإنَّ إغلاق ذلك الملف بشكل صحيح، يعني تفكيك الأزمة وحلحلتها وتذويبها، ومن ثم الانطلاق في فتح الآفاق الحقيقية والواقعية والضرورية لبناء الشراكات الستراتيجية العميقة، التي من شأنها أن تقطع كلّ الطرق والمسالك نحو خلق أزمات ومشكلات جديدة.  وأكثر من ذلك، بما أنَّ مختلف القضايا والملفات والأزمات المحلية الداخلية، مرتبطة ومتشابكة ومتداخلة مع القضايا والملفات والأزمات الخارجية الإقليمية، فإنَّ تباين المواقف والتوجهات بصورة حادة وكبيرة بين بغداد وواشنطن حول البعض منها، ربما يعرقل التعاون البناء والمنتج بينهما، وهو ما يقتضي من صانع القرار العراقي، تعاطياً عقلانياً وحكيماً يوفق ويوازن بين المصالح من جهة، والثوابت من جهة أخرى. وتجنب الانسياق وراء واقعيات سياسية مغلوطة. وهذا ينطبق-على سبيل المثال لا الحصر- على الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الصهيوني.  فالعراق لا يمكنه أن يسير ويتحرك في الفلك الأميركي، ويصمت حيال ما يجري في فلسطين من فظائع وجرائم، ويهرول وراء مشاريع التطبيع المذلة مع تل أبيب، كما فعلت دول عربية وغير عربية. في ذات الوقت لا يمكنه أن يغيّر سياسات واشنطن الداعمة لتل أبيب بالكامل.  وفي هذا السياق، كان السوداني واضحاً إلى حد كبير وهو يتحدث ويناقش كبار صناع القرار في واشنطن، بتأكيد وتثبيت موقف العراق الرسمي والشعبي من ذلك، وهذه نقطة جوهرية مهمة يمكن أن تتأسس وتبنى عليها مجمل الخطوات الأخرى، كما هو الأمر بالنسبة لعلاقات بغداد مع كل من واشنطن وطهران، مأخوذ بعين الاعتبار مساحة الاختلافات والتناقضات والصراعات الشائكة والمعقدة بين الاثنين منذ أكثر من أربعة عقود.  ولاشك أنَّ العراق لا ولن ينجح فقط من خلال تقوية وترصين ساحته الداخلية بكل أبعادها وعناوينها وجوانبها، وإنما ينجح أيضاً عبر طبيعة وجوهر ومصداقية مواقفه وتوجهاته وسياساته الخارجية البعيدة عن الارتهان والتبعية والخضوع للقوى والإرادات والمعادلات الدولية الكبرى.