رحيل العمدة

منصة 2024/04/23
...

 غفران حداد

صباح يوم الجمعة 19 من نيسان الحالي تصدرت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بخبر رحيل الفنان صلاح السعدني متأثراً بأمراض الشيخوخة، وهو مرض الانسداد الرئوي المزمن، لم اصدق الخبر كنت أظنه شائعة من ضمن الشائعات التي تطال فنانينا الكبار بين مدة وأخرى.
وخلال تصفّحي المحطات الفضائيّة كان الخبر مؤكداً هنا وهناك، لأتيقن أن العمدة "سليمان غانم" قد مات، الشخصية التي عشقنا فيها القوة والفكاهة والحزن في ملحمة "ليالي الحلميَّة" مات حقاً.
من منا لا يعيد مشاهدة دوره عبر منصة اليوتيوب في ملحمة "ليالي الحلمية- 1987" بأجزائه المختلفة؟ مَن مِنا لا يضحك على فكاهة العمدة "سليمان غانم" مع زوجته "نازك السلحدار- صفية العمري"، ودوره المحفور في وجدان الجمهور العربي على مختلف الأجيال، كان قد جسّد عمدة قرية ميت، أبو غانم الذي توجه للقاهرة للأخذ بثأر والده من عائلة البدري.
كان مشوار السعدني طويلاً، بدأه في عقد الستينات من القرن الماضي، حين ظهر للجمهور في مسلسل "الضحية" باللونين الابيض والاسود في شخصية فتى عشريني نحيف بثياب رثة، وطاقية فلاحي يتكلم بلغة الإشارة لم يكن يعلم أحد من جمهور ذلك الزمن أن هذا الدور الأبكم سيرتبط باسم صلاح السعدني أشهر نجوم الساحة الفنية المصريَّة والعربيَّة على حد سواء.
من الأقدار الجميلة التي تحدث عنها الراحل في أحد لقاءاته التلفزيونيَّة أنه عندما درس في كلية الزراعة بجامعة القاهرة وقف على خشبة مسرحها مع زميله عادل إمام وكان الأخير رئيس فرقة التمثيل والذي اصطحبه الأخير الى عالم الفن ليشكلا نجوماً لأعمال كثيرة الى جانب صداقتهما المتينة مع صديقهما الثالث الراحل سعيد صالح، لكن السعدني اتجه للدراما التلفزيونية بعكس خط صديقيه اللذين تفرّغا أكثر للمسرح والسينما رغم أن نجاح دوره معهما في مسرحية "مدرسة المشاغبين ما يزال الأول في ذاكره  الجمهور.
في عام 1974 قدم دورا بارزا في مسرحية "العمر لحظة" أمام الفنانة سميحة أيوب لتكون بعدها انطلاقته الحقيقية لمشواره الفني في السينما، وتألق بعدها بأفلام أهمها "الأرض، أغنية على الممر، الرصاصة لا تزال في جيبي، طائر الليل الحزين، شحاتين ونبلاء"، وكان دوره في فيلم "المراكبي- 1995" بشخصية "أحمد السيد عليش" يعد الأجمل في رحلته السينمائيَّة، كما أن صوته الخشن وجد فيه مخرجون الدراما الاذاعية مميزا ومؤثرا فرشحوه لبطولة مسلسلات إذاعية مثل "عشاق لا يعرفون الحب، رحلة في الزمن القديم، المغتربون، فارس عصره وأوانه، وقبض الريح".
من الأعمال التي تركت بصمة في مشوار السعدني كان مسلسل "ارابيسك – 1994" تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج جمال عبد الحميد، كان "حسن ارابيسك- صلاح السعدني"، فنان الأرابيسك الذي تعرض لمصاعب وتحديات جعلته يفقد توازنه فيهمل عمله وورشته ليتجه الى صحبة السوء وتعاطي المخدرات، وشكّل السعدني ثنائياً جميلاً مع "توحيدة - هالة صدقي"، جمعهما الحب والفراق وبسبب جماهريّة العمل، قرر صناع المسلسل تغيير نهايته، وتم تصوير مشهد اضافي لكل من "توحيدة وحسن" بأن يتزوجا وأنجبا بنتا أسماها "دنيا" كي لا يؤثر فراق الثنائي المقرر له، سلباً على شعبيَّة المسلسل.
وكان آخر أعمال الراحل مسلسل "القاصرات – 2013"، أدى فيه شخصيَّة "عبد القوي الأدهم النجعاوي" وتدور فكرة العمل حول زواج القاصرات التي تحصل بكثرة في الصعيد والقرى الريفيَّة، كان عبد القوي يبحث عن إرضاء شهوته بالزواج من
القاصرات.
اختار الراحل صلاح السعدني في السنوات 11 عاماً الأخيرة من حياته الابتعاد تماماً عن العمل رغم العروض المغريّة التي تعرض عليه في كل عام، مكتفياً بالعيش برفقة أسرته وأحفاده، وقد نشر نجله صورة تجمعه بوالده في عام 2018 عبر حسابه الرسمي معلقاً "ابويا من كتر ما تصور في حياته، ما بقاش بيكره قد التصوير بس أنا صورته بالعافية، متابعا: وقلت له أنت واحش ناس كثير عايزين يطمنوا عليك".
رحل العمدة سليمان غانم وشيّع إلى مدافن العائلة وسط حزن وبكاء زملائه وجمهوره.. رحل وترك مكانه شاغراً في الوسط الفني الذي لن يستطيع أحد يملأ حجم الخسارة التي خلّفها
رحيله.