ضحى عبدالرؤوف المل
يأخذ الجد دوره بعد التقاعد في رعاية الأحفاد وهو الفنان يحيى الفخراني في مسلسل {عتبات البهجة} المأخوذ عن رواية الأديب إبراهيم عبدالمجيد المحبوكة روائياً بأسلوب يمكن تحديثه بشكل فعال، فعلاقة الأجداد مع الأحفاد هي أزليَّة لأهميتها العائليَّة، وهو وكيل الوزارة المتقاعد الذي يختبر مرحلة مختلفة من الحياة.
إذ يرى العالم من حوله برؤية جديدة ومُستغربة ممن عاش فيها كطفل ومراهق وشاب وكهلٍ ويعيش الآن في شيخوخة أفقدته حيوية الجسد ومنحته رؤية من اختبر مراحلها واكتسب حكمة نوعا ما، ونحن في زمن الذكاء الاصطناعي كالإنترنت الذي يستخدمه بهجت الأنصاري عبر شبكات التواصل الاجتماعي في محاولة لكسر القيود، والتحرّر من الصورة الخاطئة عن الشيخوخة الجامدة والسريعة الكسر نفسيّاً. وهي تلك التي تجعل من كبير السن بعيداً عن الأحفاد عبر الكثير من الحواجز الحياتية المختلفة، أو حتى وجود مسافة فاصلة بينه وبينهم، ومن ثم البُعد عن الفضاء الاجتماعي الموحّد بينهما وحتى الذوقي في الأغاني واللباس والأكل والسينما والتواصل الاجتماعي الحالي.
ففي المحتوى اليوتيوبي الذي يستخدمه بهجت الأنصاري في الحلقة الأولى يتحدث معنا ومع جمهوره عن التحرّش، ولكن التحرّش من وجهة نظر فكري أباظة ونظره هو كرجل اختبر الزمن والحياة يقول "التحرّش بين الأصالة والمعاصرة، حتى التحرّش له أصوله منذ أكثر من تسعين سنة خرج علينا فكري باشا أباظة يتكلم عن ظاهرة خطيرة تهدم المجتمع اسمها التحرّش فما هو التحرّش الذي تحدث عنه فكري باشا أباظة عندما وجد سيدة واقفة وحدها في المحطة اقترب منها وهو يميل طربوشه ويقول لها بونسوار يا هانم وبونسوار هذه كانت هي قلة الأدب في ذلك الزمن، لنتخيل الزمن الذي عشناه والذي نعيشه الآن هل عرفتم لماذا سمي الزمن الجميل؟". فهل التحرر من قيود الأم والأب عند المراهق هو الرفض التام لأي توجيه من الجد وهذا ما أوضحه الفنان يحيى الفخراني في نص عتبات البهجة بين الزمن الجميل والزمن الآن؟.
تنوعت ديناميكيات نص ابراهيم عبدالمجيد الروائي مع تكوينات المشهد الحديث بين يحيى الفخراني وصلاح عبدالله الذي يلعب دور صديقه حسن بروحيَّة ممتعة وببهجة التلاحم بين الأصحاب القدامى في إظهار فروقات زمانهم عن زمن الجيل الجديد، وببهجة تتعلق بالدور التوجيهي والسلوكي لمن يحيط بهما من جيران وأصحاب وأحفاد، وما هو حكر على الوالدين ليس مقبولا من الأجداد على الأحفاد، وهنا المعضلة التي عالجها المسلسل عبر عدة محاور شرحها بأريحيّة مشبّعة بنكهة روائيّة كتبها إبراهيم عبدالمجيد في زمن مختلف عن هذا العصر الذي تخطى فيه الشباب الكثير من المفاهيم التي كانت مقيدة في الزمن الجميل، إلا أن مكسب الأجداد من الأحفاد هو الدخول معهم في تجديد بين الزمنين، كما هي الحال بين أغاني أم كلثوم الراقية سمعياً والمريحة للأجداد وأغاني الراب ومقاماتها الموسيقية وشعبيتها الحالية، وجلسة بهجت الأنصاري مع حبيبته القديمة وبهجة جلسة الحب في الزمن الجميل. فهل البهجة تصاحب الأحفاد في إيجاد الحل لمشكلاتهم ومنها الابتزاز الإلكتروني وعدم أخلاقيات بعض البشر الذين نمد لهم يد العون بمصداقية زمن نفتقده حالياً؟ أم أنه يجب أن تتعطل ذاكرة الناس ويجب أن يشتري الإنسان كلباً كما يقول ابراهيم عبدالمجيد في روايته عتبات البهجة؟ وهل يعيش الأجداد شبابهم في ربيع الأحفاد الحديث؟.
بعض ثغرات في معالجة السيناريو ترك للنص الروائي مقارباته الدراميَّة التي تحتاج للمزيد من الحبك، لخلق قوة في التقارب الدرامي بين الممثل ونقلات المشاهد وحتى حيوية المعنى الروائي، لتكون منطقية بشكل أوسع. إلا أن تترك البداية للموسيقي خالد الكمار والمثير فعلياً للإحساس بالبهجة منح روحية تخيلية لحركة وضحكة يحيى الفخراني وحتى لحظات حزنه الشديد وتعبيراته التمثيلية القوية والنفسية التي اجتاحنا بها، وقد تميزت ببهجة لا يشعر بها إلا الأجداد. فهل المخرج مجدي أبو عميرة ترك لكلاسيكية المشهد حرية المعنى الروائي في دراما توجيهيّة أكثر مما هي ترفيهيّة وقادرة على كشف التناقضات الإنسانيّة بين أفراد المجتمع الضيق على صعيد الأولاد والآباء والأحفاد والجيران ومن يعيشون في الشارع نفسه. أم أن ما يفقده الإنسان مع تقدمه بالعمر يجد متعته مع الأحفاد؟، وهل عتبات البهجة بين الرواية والدراما اختلفت في كثيرٍ من النقاط السلوكية والكوميدية وحتى التراجيدية كما حدث في الحلقة الأخيرة؟، أم أن ابراهيم عبدالمجيد في روايته تحرر أكثر من خلال الوصف في طبيعة المشهد المكتوب؟.
المسلسل لاقى استحساناً عند فئات عمريّة أكثر من غيرها، وهي استحسان الأجداد لأنّه طرح الكثير من القضايا العصريّة وجدليّة الأجداد والأحفاد التي لا تنتهي عبر الزمن، وهي بداية التقاعد مع مراهقة الأحفاد وانشغال الأبناء والتضامن العائلي الذي يجب أن يواظب عليه أفراد العائلة لنتعلم مساعدة بعضنا البعض مهما اختلفت الفئات العمريّة والسر الأكبر هو كيف تكون نهاية كل مشكلة مع الأحفاد سعيدة لنكون أمام عتبات البهجة مع الأحفاد. وهل كلاسيكية معالجة النص درامياً أفقدته البهجة؟ أم أن يحيى الفخراني نجح في بث البهجة في نفوس الأجداد قبل الأحفاد؟.