عزيزي دكتور قاسم
حصلت على شهادة الماجستير في اختصاص العلوم الاجتماعيَّة قبل سنة، ولم أحصل على وظيفة، وطرقت حتى أبواب المنظمات وكانت نتيجة مراجعاتي أنَّني حصلت على عقد عملٍ براتب إذا خصمت منه أجور النقل والغداء فسيبقى منه ثلاثون ألف دينار لا تساوي تعب يومين، فتركته وجلست في البيت وانصرفت للقراءة ومحاولة تأليف كتابٍ في ميدان علم الاجتماع.
ستقول عني: حلو، ما في مشكلة كبيرة، لكنَّ المشكلة يا دكتور أنني سأطرق باب الثلاثين، وهنا بدأت مخاوفي من العنوسة لتضاف الى مخاوفي من البطالة، وخوفٌ ثالثٌ أنَّ والدي تعرض الى جلطة قلبيَّة وأخشى عليه من جلطة ثانية تكون فيها نهايته، وهو معيل الأسرة الذي ضحى بالكثير من أجلنا.
تشابكت مخاوفي وتطورت وصرت لا أنام ليلي، وتكرار أسئلة أوجهها الى نفسي:
ماذا عن مستقبلي؟ هل سأحصل على وظيفة؟ هل سأتزوج؟ وكيف سيكون حالي إذا توفي والدي؟، وكتبت قصة عن حياتي وقعتها بدمع العيون.
وبالصريح يا دكتور، لولا أنَّني مؤمنة وأخاف الله لأنهيت حياتي.
ساعدني أرجوك بإرشادي الى الطريقة التي تمكنني من التخفيف من مخاوفي، ليس أكثر، ولك مني فائق التقدير والاحترام.
ابنتكم.. ميسون
عزيزتنا ميسون
بدءاً، أعجبتنا لغة رسالتك، ويبدو أنَّك كاتبة قصة، وأعجبتنا شخصيتك أيضاً وأنَّك حاصلة على شهادة الماجستير في اختصاص يهمُّ المجتمع العراقي.
وبدءاً أيضاً فإنَّ كل مخاوفك مشروعة، لكنَّ القلق عندك اجتاز المعتاد الى التضخيم. ونوضح لك ولقرّاء الصباح أنَّ القلق حالة إنسانيَّة، بمعنى أنَّنا جميعاً عشنا ونعيشُ خبرة القلق، والكثيرٌ منّا اكتشف أنَّ للقلق فوائد أهمَّها أنه ينبهنا حين نتعرض إلى مشكلة أو خطر، ويجعلنا نراجع الطبيب، ونتحسب لأمورنا الحياتيَّة، هذا يعني أنَّ القلق يكون حالة صحيَّة وضروريَّة حين يكون بدرجة معتدلة لحالة أو موقفٍ يستدعي ذلك، ويكون مضراً لصاحبه ومنكّداً لحياته حين يكون بدرجة حادة ومسيطرة.
أردنا أنْ نوضحَ لك من هذه المقدمة أنَّ قلقك بخصوص الحالات التي ذكرتيها هو مشروعٌ شرطَ أنْ يكون بدرجة معتدلة، وأنْ يخدمك في التحسّب لأمور حياتك. غير أننا لاحظنا أنَّك من النوع الذي يتغلب عنده توقع الشر من أحداث لم تقع بعد، وكأنك في حالة “إنذار” من أنَّ أموراً خطيرة ستقع، وتشعرين بأنك ضعيفة أمامها.
لنأخذ الخوف من العنوسة عندك. فأنت ما زلت في التاسعة والعشرين ومع ذلك تخافين من العنوسة كما لو أنك في التاسعة والثلاثين في حين أنَّ الفرصة لا تزال أمامك لعشر سنوات قادمة. ثم أنَّك تضعين علامة (=) بين الزواج والحياة، في حين أنَّ الإنسان يمكن أنْ ينجز أعمالاً مميزة ويعيش حياة مستقرة من دون
زواج.
ما يميزك أيضاً أنَّك طموحة وتملكين القدرة على إكمال دراستك، وبتفوق، وعليه أقترح عليك مواصلة دراستك والحصول على الدكتوراه، فهي ستشغلك وتقلل عندك حالة القلق، وستوفر لك فرصة أفضل في الحصول على وظيفة، وفرصة أيضاً للزواج.
أعرف راح تقولين، ومنو يتزوج دكتوره عمرها راح يطخ الأربعين. ومع أنَّ كثيرين بلغوا الأربعين ولم يتزوجوا بعد قد يكون أحدهم من نصيبك، فإنَّ كثيرات أيضاً لم يتزوجن وعشن حياة مستقرة، وعلى حد وصف إحداهنَّ (وعيونك دكتور.. آني هوايه مرتاحه لأنْ ما تزوجت.. لا متاعب حمل ولا دوخة أطفال، ولا منغصات زوج، أسافر براحتي وآني ملكة
نفسي..).
اعملي باقتراحنا، أعني أكملي الدكتوراه فهي التي ستنقلك من سكة القلق الى سكة الراحة النفسيَّة.
مع خالص تمنياتنا بالموفقيَّة للعزيزة ميسون.