اقتصاد الحرب والإنفاق العسكري

قضايا عربية ودولية 2024/04/25
...

علي حسن الفواز

اقتصاد الحرب من أكثر الاقتصادات إثارة للجدل، والخوف من نهاية تاريخ الرفاهيَّة في العالم، فالتجارة والاستهلاك المسلحان يفرضان شروطاً معقدة على الأسواق، وعلى الشركات، وعلى طبيعة مستهلكي الأسلحة وأنواعها، وعلى حجم الوفرة المالية التي يمكن أن تُهدد أيَّ اقتصاد بالعجز، والفشل في تأمين ستراتيجيات التنمية والإنعاش والسيطرة على الإنفاق، وعلى برامج الخدمات والموازنات التشغيلية والاستثمارية، فبقدر ما يقال: إنَّ الاقتصاد الغربي حر، وإنَّ الشركات هي الجهات المسؤولة عن التشغيل والرواتب والحوافز وتأمين فرص العمل، فإنَّ الدخول في لعبة "اقتصاد الحرب" وهو اقتصاد غير إنتاجي، وغير تراكمي، سيقود تلك الشركات إلى الإفلاس والعجز، وإلى التخلي عن أعداد كبيرة من الموظفين، وهو ما يعني خلق أزمات اجتماعية يمكن أن تهدد النظام الرأسمالي برمته.
الأرقام والإحصائيات التي ينشرها "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" المسؤول عن متابعة وتقييم برامج التسليح وصناعة الأسلحة في العالم، تكشف عن الأخطار الكبرى التي تهدد منظومات "الاقتصاد الحر" وتقلل من فاعلية الشركات المسؤولة عن "إنتاج الرفاهية" وتحفيز مصادر الاستهلاك، مقابل جعل الإنفاق موجّهاً نحو أهداف تخص تأمين حاجات وزارات الدفاع والأمن القومي، فقد ارتفع الإنفاق العسكري كما يقول المعهد إلى 6،8 % أي 2،44 تريليون دولار عام 2023، مقارنة بـ2،24 تريليون عام 2022.
التعرّف على جدوى هذه الزيادة يكشف عن سخونة "جبهات الحرب" وعن علاقة هذه الجبهات بطبيعة الإنفاق، وبالصراع الدولي وأهدافه الستراتيجية سياسياً وأمنياً وإيديولوجياً، لاسيما على جبهات الحرب الأوكرانية الروسية، والعدوان الصهيوني على غزة، وكذلك تعبئة الخطوط الدفاعية لدول حلف الناتو بمزيد من الأسلحة النوعية، فضلاً عن تحوّل هذه الصراعات إلى ضغوط داخلية تدفع إلى تأمين موازنات كبيرة جداً، تتجاوز الحاجة التقليدية لصيانة الأمن الداخلي.
ما تكشف عنه نزعات العسكرتاريا، يفضح مظاهر الصراع الدولي، وأخطاره المحتملة، والرهان على الحلول الأمنية بدل البحث عن حلول واقعية تتوخى نجاح الممارسات الدبلوماسية والحوارات والمصالح، والالتزام بالاتفاقات الدولية التي تخص منع انتشار الأسلحة الستراتيجية، والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، والتي باتت مُعرَّضة للخرق بسبب تضخم الصراعات، واتساع مساحة الصناعات الحربية.
يظل ما تنفقه الولايات المتحدة في صناعة الأسلحة يفوق الدول الأخرى، فهي تصرف أكثر من 916 مليار دولار، أي ما يعادل 37 % من حجم الإنفاق العالمي على صناعة الأسلحة، تليها الصين بنحو 296 مليار دولار وبزيادة 6 % عن الإنفاق في العام الماضي، بعدها روسيا التي بلغ إنفاقها العسكري بحدود 109 مليارات دولار عام 2023 جرّاء استمرار حربها مع أوكرانيا، ولحاجتها الدائمة إلى تعزيز ترسانة مخازنها بالأسلحة المناسبة، تزامناً مع استمرار الغرب بالدعم العسكري الواسع لحكومة زيلينسكي، تليها بريطانيا وألمانيا، وهما من أكثر الدول التي تُسهم في زيادة الإنفاق العسكري دعماً للتسليح الأوكراني.