كواليس المسرح.. من العتمة الى الضوء

ريبورتاج 2024/04/28
...

• رجاء الشجيري

• تصوير: علي قاسم 

في العرض المسرحي ثمة جنود خلفه، وهم خارج منطقة التأليف والإخراج والتمثيل، لكنهم حملة مفاتيح نجاح العمل بلا شك.

فمن هم الجنود الفنيون خلف المسرح في الكواليس، وما هي تقنياتهم وعوالمهم؟ هل هم شركاء في العرض المسرحي كمبدعين خلاقين أم هم {كهربائيون} كما أطلق البعض عليهم، هل لهم نجوميَّة وظهورٌ في أي عملٍ مسرحي يقدم؟، أم هم منسيون وفي منأى عن الأضواء والجمهور الذي لا يعرف شيئاً عنهم؟ 

(الصباح) كانت بين كواليس (المسرح الوطني) و(الرشيد) تتجول مع التقنيين أثناء عملهم والعروض المباشرة لتطَّلع على جهودهم وتسلط الضوء المخفي عليهم.


من الشمس إلى الحاسوب

المسرح هويَّة الشعوب وصناعة حياة.. وفي الحضارات ولدت المسارح وتعمقت أهميتها ولكنْ بأدوات وتقنيات عرض بدائيَّة، ففي المسرحين الاغريقي واليوناني وغيرهما لم تكن هناك كواليس خلف عروضهم، بل معهم في العرض ضمن تقنيات إما من الطبيعة في الإضاءة كالشمس التي اعتمدوها في النهار عنصر إنارة أو المشاعل ليلاً التي كانت الضوء في المسرح، يحملها الممثل بنفسه أو هناك من يحملها له، ليأتي الصوت الذي مثلته الأبواق مع حوار الممثلين والعرض، حتى في الأزياء كانوا يرسمون فضاءً ومساحة من خلالها، فالإغريق كانوا يرتدون الملابس الفضفاضة جداً ولذلك لكي يعطوا مساحة أكبر للممثل من الناحية البصريَّة لرسم الفضاء المسرحي قدر ما يستطيعون، وجاءت فكرة القناع الضاحك والباكي الطيب والشرير الذي كان يرتديه الممثلون؛ لأنهم لم يكونوا يستطيعون إظهار ملامح الوجه وتعابيره لأكبر عددٍ من الجمهور البعيد في العرض فيرفعونه بايديهم أو يرتدونه، وهكذا استمرت تقنياتهم البسيطة هذه إلى أنْ وصلت للحداثة.


خطى التقنيات

المهندس كامل تتر اسكندر (مدير قسم التقنيات في دائرة السينما والمسرح) ونحن نتجول معه في أروقة مسرح الرشيد ذهاباً للتقنيين في أعلى المسرح بدأ حديثه بالقول: "عمل التقنيات الفنيَّة هو عملٌ عضليٌّ فنيٌّ إبداعيٌّ معاً، يبدأ أي عملٍ مسرحي مسبوقاً بتحضيرات قسم التقنيات من تصميم الإضاءة للعمل لإعطاء رؤية جماليَّة، ليكمل بعد ذلك تنفيذ تصميم الصوت وبمؤثرات ضمن الرؤية الإخراجيَّة للعمل المسرحي ليتمّ اختيار المقاطع الموسيقيَّة أو التسجيلات الصوتيَّة ثم الديكور والأزياء وتقنيات الخشبة وصولاً إلى تسلم السينوغرافي لجميع ما نفذ من تقنياتٍ ومشاهدة للعرض، ليخلق الفضاء والرؤية الجماليَّة (الأم) للعرض المسرحي".

ليختم حديثه: "لكل نجمٍ هناك من يقف خلفه ليظهر بريقه".


مسارات الإضاءة

لم يكن خلف كواليس المسرح بين التقنيين عندما كنَّا معهم لكنه سبقهم بأعمالٍ كثيرة وبمسيرة ملؤها الجمال والإبداع والأرشفة للمسرح العراقي بعد أنْ تقاعد عن عمله الذي طالما أحبَّه وشُغِفَ به إنه بشار طعمة مصمم إضاءة ومؤرشف مسرح ليحدثنا عن تقنيَّة الإضاءة قائلاً: "الإضاءة المسرحيَّة ليست عمليَّة تنوير خشبة المسرح فقط، إنما هناك رموزٌ ودلالاتٌ تؤديها الإضاءة على الخشبة، بل هي علاقة إبداعيَّة متكاملة بين عناصر العرض المسرحي من الممثل والديكور والأزياء والماكياج والموسيقى التصويريَّة، وكان استخدام مصمم الإضاءة للمعدات بالكميَّة أي عدد البروجكترات التي يحتاجها في العرض المسرحي وكذلك اللون للعرض سواء كان تراجيدياً أو كوميدياً. كذلك توزيع الإضاءة حسب الديكور والممثل والاكسسوار بواسطة سكربت يعمل للعرض المسرحي مع خارطة توزيع الإضاءة على الخشبة".

ولدى سؤالنا عن أفضل التقنيين في العروض المسرحيَّة في أرشيفه أجاب: "مصممو الإضاءة في السبعينيات هم (عماد مهتم، عبد الله حسن، ضياء أنور، مولود مسلم، عبدالله نجم، صباح مهدي، مجيد البكري، بشار طعمة)، وفي الثمانينيات (كامل هاشم، جاسم وحيد، فارس مهتم، عدنان الأحمر)، في التسعينيات (جبار جودي، محمد فوزي، أنمار عبد الأمير)، 2000: (كريم مجيد، علي محمود السوداني)، 2010 (على محمود السوداني، بشار عصام، محمد رحيم)، 2016 - 2024 (علي محمود السوداني، جبار جودي، بشار عصام، محمد رحيم، ناظم شجر، عباس قاسم، غيث زهير)، مصممو الأزياء (امتثال الطائي، شميم رسام، سلمى العلاق، هيفاء الحبيب، صبيحة اسعد، ياسمين خليل، نوال كمال عبد الرزاق، سوسن عبدالله)، مصممو الديكور: (كاظم حيدر، فاضل قزاز)، الموسيقى (صبري الرماحي، عبد الجبار خلف، فاضل الصفار، معتز عبد الكريم، عادل طاهر، لطيف المعاضيدي، صفاء ربيع، هشام عبد الرحمن، جون يشير، نهى صالح، فردوس، صالح ياسر، مهدي عباس، نبيل وحيد)، المكياج (فوزي الجنابي، طه الهلالي، مهدي الأوقاتي، صديقة محمد أمين، علي العادلي، أحمد العادلي، لطيفة عبد المطلب، ذكرى عبد الصاحب). ليؤكد بعد ذلك مصمم إضاءة مسرح الرشيد في دائرة السينما والمسرح ناظم حسن شجر دور الإضاءة قائلاً: "نجاح العمل المسرحي يكون بتضافر جهود الجميع، الإضاءة عنصرٌ مهمٌ ومكملٌ لتقنيات العرض، يبدأ مصمم الإضاءة بقراءة النص المسرحي ثم يصمم على ضوء ما في النص، ومهمة الإضاءة إبراز الجانب الجمالي للعرض المسرحي، فالإضاءة تنقل بألوانها ودرجاتها كل أنواع المشاعر والأحاسيس المختلفة والترقب والدهشة في العرض عن طريق تحولات الإضاءة؛ كثافتها ومرشحات الضوء ومساقطها، وقديماً كان أسلوب الإضاءة الكونسل أو المكسر، أما الآن فالاستعانة ببرامج الحاسوب سوفتوير وعملنا على هذه التقنيات الحديثة في تغيير الألوان وفلترتها"، ليؤكد بجملة اعتراضيَّة هي (التقنيون ليسوا كهربائيين) كما يعتقد البعض، بل هم شركاء إبداع في العرض المسرحي".

وعن ورش النجارة التي كنت أشاهدها في الكواليس والديكورات سألته بحكم عمله في المسرح عن أهميتها ليجيب: "الديكور المسرحي عاملٌ مهمٌ وحيويٌّ في إنضاج العرض المسرحي، مجرد تحويل قطع الخشب الجامدة إلى قطعٍ متنوعة جميلة (ديكور) هو فنٌ بحد ذاته، هناك جوانب يجب أنْ تراعى في الديكور المسرحي منها أنْ تكون سهلة الحركة والتنقل مع متانة عالية.. كتل الديكور يجب أنْ تكون غير مكلفة بصورة مبالغ فيها.. بسيطة لكنها مؤثرة في المتفرج، ولا تحجب الرؤية عنه"، مضيفاً "ورشة النجارة ومن يعملون في الديكور يستمرون لساعاتٍ متواصلة بشكلٍ حرفي لأيامٍ قبل العرض لدرجة الإنهاك الشديد لكي يقدموا الديكور المطلوب لنجاح العمل المسرحي".

وعن امتلاكنا لمصممي إضاءة مبدعين رغم اشتغالهم بالضوء فإنَّ ضوء الاحتفاء غاب عنهم محلياً رغم حصولهم على جوائز دوليَّة وعربيَّة مهمة ولسنوات في تصميم الإضاءة هو حاصد الجوائز عباس قاسم مصمم إضاءة المسرح الوطني الذي حصل على جائزة أفضل مصمم إضاءة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وجائزة التميز في الإضاءة في مهرجان الاسكندريَّة المسرحي الدولي لسنتين متتاليتين وجائزة أفضل مصمم إضاءة في مهرجان المسرح العراقي يقول: إنَّ "الإضاءة شريكٌ مهمٌ في العرض المسرحي فهل يمكن لأي عرضٍ أنْ يقومَ من دون خريطة وبناء ضوئي؟".

إنه "قاسم" الذي مرَّ خبر فوزه هذا من دون أي احتفاءٍ أو ذكرٍ ليقتصر الخبر على تهنئة في مواقع التواصل الاجتماعي من أصدقائه فقط.

في حين أكد غيث زهير (مصمم إضاءة مسرح الرافدين) على إشارة مهمة بقوله: "التقني في مسارحنا يقوم بتطوير نفسه من خلال تجاربه التي يمرُّ بها في المهرجانات الدوليَّة من خلال العروض المشاركة؛ لأنه لا توجد دوراتٌ تطويريَّة ولا يتم إرسالهم مع الأعمال التي تشارك في مهرجانات دوليَّة حتى يرى مسارح الدول ويستفيد من مشاهدة العروض.. كنَّا نلجأ الى تصفح غوغل ومشاهدة العروض الأوروبيَّة لكي نطور من خبراتنا وصقلها".

مضيفاً: "ظهرت جماليات الإضاءة والتي يمكنها التأكيد على جماليات أخرى مثل الحركة والتكوينات البصريَّة كونها أول ما يشاهده المتفرج على الخشبة، وهي أول عنصرٍ يعطي إيحاءً ما للمتفرج فيمكن التعبير بها عن القلق أو الخوف أو الاضطراب أو الفرح أوالسعادة أو الحزن.. إلخ".

مهندسو الصوت

صوت الموسيقى جزءٌ مهمٌ في العمل المسرحي، إيقاعه، نوعه درجة حدته، ارتفاعه، انخفاضه، هكذا بدأ مهندس الصوت محمد فؤاد حديثه عن أهميَّة تقنيَّة الصوت مضيفاً: "كما تقع على عاتق مهندس الصوت مسؤوليَّة نقاء الصوت وجودته في إيصاله للجمهور، وعمل التقنيين خلف المسرح تكامليٌّ ضمن سلسلة إبداعيَّة، فقد كنت مصمم إضاءة أيضاً قبل الصوت وعملت في الكثير من الأعمال المسرحيَّة جادة وشعبيَّة وأطفالاً ودينيَّة".

وفي سؤالٍ مشاكسٍ باغته به: لو عاد بك الزمن الى الاغريق ضمن كادر مسرحي هناك مع تقنياتهم البدائيَّة الأبواق في الصوت والمشاعل في الإضاءة ماذا ستختار أنْ تدير هناك؟

يجيب: الاختيار صعب، لكنَّي سأميل للصوت كما الآن حبي وشغفي به ضمن تشكيل الأعمال المسرحيَّة.

أما همام حسن (مهندس صوت أيضاً) فتحدث عن القراءة الموسيقيَّة للنص المسرحي بالقول: إنَّ "اختيار الموسيقى التي تخدم العمل المسرحي تكون بعد قراءة النص ومفهوم العرض إنْ كان النص ملحمياً تراجيدياً راقصاً تاريخياً صامتاً للتشكيل حسب نوعه".

ويضيف "قبل دخولي في هذا المجال والتخصص كنت أحضر الكثير من العروض المسرحيَّة والبروفات الى أنْ أصبحت لديَّ خبرة في مجال هندسة الصوت والتعامل مع الأجهزة الصوتيَّة، فالعمل في المهرجانات المحليَّة والدوليَّة والحفلات الموسيقيَّة التي تقام على المسارح منها الفرقة السمفونيَّة العراقيَّة كونت لديّ مخيلة واسعة وبدأت الاشتغال الفني على تطوير عملي باختيار الموسيقى وتوظيفها مع العرض المسرحي باختيار المؤثرات الصوتيَّة والموسيقى التصويريَّة المكملة للعرض".


ملك الفضاء

السينوغرافي هو مهندس الجمال البصري للعمل المسرحي، والعنصر الإبداعي المهم في العرض، فلديه تجتمع كل الخيوط والأدوار ابتداءً من النص المسرحي والرؤية الإخراجيَّة وأداء الممثلين وصولاً للتقنيين خلف الكواليس ليخلق من رؤيته فضاءً بصرياً ينطلق منه للعرض المسرحي.

يقول السينوغرافي الدكتور علي محمود السوداني: "يتمُّ تأسيس الفضاء السينوغرافي والصورة البصريَّة من خلال عناصر تمتلك القدرة في اشتغالها وتنوعها كـ(الإضاءة، الديكور، الأزياء، المكياج، الموسيقى، الملحقات المسرحيَّة، والاكسسوارات) فكل عنصرٍ له آليَّة اشتغال وسمات يعمل بها بشكلٍ منفردٍ كمنظومة متكاملة عن طريق خاماتها وملمسها وتناغمها وانعكاسها وكثافتها وحيزها، لتؤسس كل منظومة من خلال علاقاتها الفنيَّة بالمنظومة الأخرى تكاملاً جمالياً عالي الدهشة مستثمراً كل التقنيات التكنولوجيَّة الاعتياديَّة والرقميَّة في إنتاج الشكل البصري للعرض المسرحي".

مضيفاً "قراءة النص لا تكفيني لصناعة العرض، لا بُدَّ من مشاهدة التدريبات لاكتشاف المخرج والممثل والفضاء، لتتطور قراءة العرض تقنياً، أناقش وأقرأ نصَّ الخشبة من دون الاكتفاء بنص المخرج".

كما يؤكد السوداني في عمله على فكرة الممثل السينوغراف، فالممثل هو من سيتعامل مع الفضاء ويعيش الشخصيَّة لذا فإنَّي استوحي فضائي من فضاء الممثل للتعامل مع مساحة العرض".

في الختام استطاع السينوغرافي الدكتور علي محمود السوداني أنْ يعملَ نقلة نوعيَّة في مستوى تأسيس الفضاء من خلال التناغم والتناسق بين الفضاء الاعتيادي والافتراضي وعمل على صورة الضوء والكتابة في الفضاء من خلال التشكيل البصري باستخدام البنى المجاورة للمسرح التلفزيونيَّة والسينمائيَّة، ما جعله من أبرز مصممي السينوغرافيا في العالم العربي، فضلاً عن مشاركات عالميَّة في عروضٍ مسرحيَّة كالمسرح الوطني الألماني والمسرح الوطني الفرنسي، كانت لديه مشاركات عديدة في مهرجانات كثيرة عربيَّة وعالميَّة بين مشارك كسينوغراف أو باحثٍ في مجال الفضاء المسرحي أو مؤطرٍ في ورشة فنيَّة أو عضوٍ في لجان التحكيم أو خبيرٍ في التقنيات المسرحيَّة من خلال التجربة العلميَّة والعمليَّة صاحب الإصدارين المهمين في التقنيات المسرحيَّة إنَّه صياد الجوائز العربيَّة العديدة مهندس الفضاء المدهش ايقونة السينوغرافيا في العراق والوطن العربي الذي كان مدير قسم التقنيات 2018. ومديرا للمسارح 2021 - 2022 الذي اعادة الروح مع شركائه لمهرجان بغداد الدولي للمسرح وإدارته لدورتين في نجاحٍ وتنظيمٍ عاليين 

ومنضبطين.