غفران حداد
في كل موسم رمضاني يقدم لنا صناع الدراما {خلطة} من الأعمال الدراميَّة المشتركة الناجحة، أبطالها نجوم لبنانيون ومن جنسيات عربيّة أخرى. وفي هذا العام كان مسلسل {ع أمل} وهو عمل لبناني سوري مشترك من تأليف نادين جابر وإخراج رامي حنا، وحمل المسلسل توقيع المنتج اللبناني جمال سنان.
فكرة العمل رومانسيَّة وقد تكون مشابهة للكثير من الأعمال ذات الطابع العاطفي في إطار تشويقي، لكن حبكته تدور حول قضايا العنف الأسري، القضية التي تطرّقت لها الدراما اللبنانيّة بشكل محدود. تبدأ الأحداث حول "يسار- ماغي بو غصن"، التي تعمل مقدمة برنامج يحمل عنوان "ع أمل" وتتعرّف على جارها الجديد "نيبال - مهيار خضور" لكن تُصدم أن انتقاله للمبنى الذي تعيش فيه ليس صدفة أبدا، وأن سرها المدفون في حياتها منذ 20 عاما على وشك الكشف عنه.
يسار كانت تعاني كثيراً من ظلم الذكوريّة في أسرتها، كاتبة العمل سلطت الضوء على الواقع اللبناني والعنف الذي يمارس بحق شريحة واسعة من النساء في لبنان بعيداً عن النمطية الثابتة الذي يظنها كثيرون أن جميع النساء اللبنانيات مستقلات ماديا، وهنّ صاحبات قرار وتعمل كل واحدة منهن الذي تريده من دون قيود أو شروط.
أحداث العمل تم تصويرها في بلدة "كفر حلم" عالم تفيض فيه القوة الذكوريّة، فالرجل هناك "سي السيد" بينما المرأة تقْمَع وهي ليست صاحبة قرار أو رأي، إلى جانب تحليل قتل النساء "المسيئات للشرف".
ذروة الأحداث تبدأ حين يحكم والد "يسار" على ابنته بالقتل، لأنها غابت عن المنزل ثلاثة أسابيع ليقرر شقيقها "سيف- عمار شلق"، رميها في
النهر.
جرأة الكاتبة نادين جابر في مناقشة قضية شائكة حصرتها في النسيج الاجتماعي للبيئة الجنوبيّة، وقد ابدعت في استخدام اللهجة الجنوبيّة البحتة، أيضا تناولت جابر موضوع الحجاب من خلال احدى شخصيات المسلسل "ريا - ريان الحركة"، التي تمرّدت تمرّداً يعتبره البعض ايجابياً حين تصرّ على متابعة تعليمها الجامعي سرّاً، ولكنّها قررت خلع الحجاب ما أن سكنت في العاصمة بيروت كإشارة إلى أنّها عاشت التحرر بعيداً عن تقاليد الأسرة الصارمة رغم أن هذا التمرّد الذي جسّدته شخصية "ريا" لاقى انتقادات واسعة من الجمهور، فهل أن المرأة المحجبة لا تذهب للجامعة في باقي القرى والمدن اللبنانيّة؟، وهل أن الحجاب يشير فعلاً إلى قمع المرأة أم أنّه مكمل لأناقة الفتاة المحافظة على واجباتها الدينيّة، ولا يعتبر انتقاصا من كرامتها وحقها في العيش حياة طبيعيّة؟.
هذا التمرّد الذي سلّطت عليه كاتبة العمل أخفقت في تقديمه وليس تمردا ايجابيا، وليس صورة مشرقة للنساء الباحثات عن الحرية والعِلم، كما أن المرأة المعنّفة في لبنان ليست فقط المحجبة، وليست أيضا محصورة بدين ومعتقد ومذهب واحد وليس في الجنوب حتى!.
العنف أو التسلّط الذكوري الذي كشفت النقاب عليه الكاتبة جابر في المسلسل لم يكن محصوراً في نطاق الأسرة فقط، بل من خلال شخصية "جلال- بديع ابو شقرا" وهو المجنون والمهووس بـ "يسار" ويمارس ضغطه عليها للبقاء معه وإلّا يفسخ عقد انتاجها التلفزيوني.
كانت هناك الكثير من المشاهد التي اصبحت "ترند" للمرأة العربية المعنّفة، خصوصاً بغياب السند من أهل الزوجة مثل مشهد تعنيف "سيف" لزوجتيه وهو يضربهما بالحزام من دون تدخل الشقيق الذي يعتبر أن من حق الزوج الطبيعي ضرب الزوجة ومحاسبتها بالطريقة التي يراها صائبة بدل التدخل لوقف الأذى النفسي والجسدي الحاصل لشقيقته. مسلسل "ع أمل" حظي بالشعبيّة الكبيرة لكونه تحدث بجرأة الواقع الذي يظن كُثر أنه بعيدٌ عن واقع المرأة اللبنانيّة.
تفاقمت حالات العنف ضد النساء في لبنان مع مرور السنوات لأسباب مختلفة وبأشكال مختلفة، وحصد عام 2023 أرقاماً مخيفة في ارتفاع نسبة العنف. وقد تلقّت منظمة "كفى" وحدها خلال العام الماضي 2676 اتصالاً وتابعت 1210 حالات جديدة.
لكن السؤال المطروح في مثل هكذا أعمال هل ستغيّر الدراما اللبنانيّة والعربيّة من واقع العنف الذكوري ضد المرأة؟، هل ستنخفض جرائم العنف الأسري والقتل تحت مسمّى "غسل العار"؟، وهل تسليط الضوء على واقع معاناة بعض النساء بشكل كافٍ؟.
أسئلة أظن أنّها تحتاج لحلول جذريَّة بسَن قوانين لحماية المرأة والطفل باعتبارهما الفئة الأضعف في المجتمع، نحتاج لتوعية الإعلام المحلي والعربي لقضايا العنف الأسري، التي ازدادت ارقام ضحاياها بشكلٍ مخيف ونحتاج أيضا من منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق المرأة إلى بذل المزيد من الجهود لاحتواء مشاكلها قبل أن تتفاقم وتهدم النسيج الاجتماعي للمجتمع.