حرب النساء والأطفال

منصة 2024/04/29
...

 ميادة سفر

تلعب الصورة دوراً كبيراً في الحروب والأزمات من ناحية شدّ المتلقي إلى قضية ما، وتأمين انخراطه في الأحداث وتأثره بها، ومن متطلبات هذه الحرب أن تكون الصورة مكثفة وصادمة وترتكز على مشاعر انسانية حزينة، وتستخدم الأطفال والنساء كموضوع، والجوع والتشرّد كوسيلة جذب وتعاطف، لكنّ مشكلة الصورة أنّها تضعف مع التكرار وتبهت عند المتلقي إذا زادت عن حدّ التقبّل، وترفض الصورة مع آثارها السلبيّة مثل الكآبة والحزن، لذلك يصبح التجديد والبحث عن لقطات حديثة ومظاهر غير مألوفة أحد أولويات الإعلام وبتنا أمام صحافة "السكوب" التي تضمن أكبر عدد من المشاهدين والمتابعين.
في عالم اليوم لم تعد الحروب تقع على أرض المعركة فقط، إنها تجري عبر شاشات الهواتف الذكيّة وأمام شاشات الفضائيات التي انتشرت بشكل كبير في العقود الأخيرة، إذ يتابع أصحاب القرار والناس العاديون الأحداث لحظة بلحظة مع كل ما تتركه الصور التي يتم بثها من تأثيرات وما تثيره من انفعالات وما قد تغيره من مواقف أو تؤدي إلى قرارات تتخذ بناءً على ما يتم نقله من صور تعكس جزءاً من الحقيقة وغالباً ما يكون ذلك الجزء
يخدم الجهة التي تتبع لها المؤسسة الإعلاميَّة التي تبثها.
أسهمت الفضائيات وانتشار الانترنت والهواتف ذات التقنية العالية، في تشكيل وصناعة وعي جديد وتشكيل رأي عام مغاير لما كان معروفاً من قبل، وتمكنت من اختراق بنية الكثير من الدول وإحداث خلل من منظومتها الفكريّة والسياسيّة والثقافيّة، لدرجة أن الكثير من وسائل الإعلام الحديثة بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي بما تبثه من معلومات مرفقة بملفات صور توثق أحداثاً حقيقيّة وأحياناً مفبركة، أسهمت في تأجيج الحروب وإحداث الفوضى في المجتمعات، فضلاً عن دورها في إسقاط بعض الأنظمة وخلخلة استقرار الجيوش، ويمكن للمتابع لما جرى في العقود الأخيرة في غير بلد عربي أن يتأكد من أهمية الصورة المرافقة للخبر، والآثار التي أحدثتها سواء على مستوى الدول أو الأفراد.
الصور هي التي تصنع الحروب وتنهيها، وكل ما لا تلتقطه الكاميرا هو غير موجود، وكان المفكر الفرنسي بودريار أول من ألمح إلى أهمية ودور الصورة في الحروب والصراعات، لدرجة قوله: "الأشياء لا تحدث إلا إذا كانت مرئية"، في إشارة إلى الأهمية الكبيرة التي باتت تحتلها الصورة، إلا أن الصورة خضعت بدورها إلى الأدلجة وتحولت إلى وثيقة تعبر وتعكس رأي
الجهات الداعمة، ويمكن للمتابع أن يعرف الدولة أو المنظمة التي تمول شبكة إعلاميّة ما، من خلال متابعة ما يبث من مشاهد أو ينشر من صور.
في بلادنا العربيّة لم نلعب حتى وقت قريب سوى دور المتفرج والمشاهد لما يبث لنا، ولم نولِ كأفراد ومؤسسات الأهمية التي تستحقها الصورة إلا بعد إخفاقات وهزائم عدة، وبعد أن كان العالم من حولنا يبني إمبراطوريته الإعلاميّة الضخمة التي تحكّمت بالعالم والأحداث وقدمت لنا الأخبار وفقاً لوجهة نظره، بينما بقيت الكثير من الحقائق طي النسيان والكتمان، ولم يعد ممكناً اليوم الاكتفاء بالسلاح التقليدي المعروف لحسم المعارك، ولا بدَّ أن يتسلّح الجنود إلى جانب بنادقهم بالكاميرات والهواتف الخلوية وشبكات الأنترنت لنقل الصورة كما هي.
إنّها حرب الصور، حرب التقنيات التي لا بدَّ من الاستعانة بها كي لا نبقى متفرجين أمام ما يقدمه العالم لنا، وبقدر ما تتمكن الوسائل الإعلاميّة للدول من الاشتغال على موضوع الصورة، بقدر ما نضمن تغيير النظرة التي نرى بها أنفسنا ويرانا بها العالم، شريطة أن يتم بث الحقائق كما هي، وإن كان هذا الأمر بعيداً من التناول في ظل سيطرة القوى المالية والدول على كل ما ينشر بما يعكس وجه نظره فقط، لذلك يبدو أنّنا سنظل نرى المشهد نفسه من وجهات نظر مختلفة من دون أن نجد الحقيقة كاملة وواضحة كالشمس، وقبل أن نؤمن بضرورة النزاهة وأهمية الإنسان لن ننتصر في حرب الصورة ولا في
غيرها.