تحيةٌ عِدْلَ العراق

آراء 2019/06/02
...

د. حسين القاصد 
 
كيف لك أن تحيي الفقد، أو تصفق له، أو تقف برباطة جأشٍ كي تقدم التهنئة لمن سيغيب عنك الى الأبد؟ 
هذه الأسئلة وانت رجل ــ ايها القارئ الكريم ــ ولست عسكريا كي تؤدي تحيةً عسكرية للفقيد ؛ لكن في العراق يحدث مايجعل اللغة تجلد نفسها كي تتمخض عن معنى يسعفها، ويحرج العين حين تغض دمعها وتشزر الموت وتهزأ به ؛ في العراق، حصرا، وفي سابقة لا اظنها حدثت على مر التاريخ، في كل بلدان الله، استقبلت تلك الأم العظيمة فلذة كبدها في احتفال عسكري جعلته مهيبا بمفردها، نعم بمفردها جدا، وظهرت كأنها قائدا عسكريا يزف احد ابطاله الى
الشهادة . 
لكن، لكنها أمٌ يا الله، أمٌ تحفظ كل (نواعي) المشاحيف، و(ونين) التقهقر، أمٌ بكامل معنى الامومة، أمٌ ترعرعت في بيئة يكون فيها ( الثغيب ) سيد اللحظة في موقف كهذا، وهو موقف يبكي الجبال قبل الرجال، فلماذا لم تبك يا أم حسين ؟ هل كنت واثقة من انه يراك ؟
 هل كنت تخشين على رحلته الاخيرة من دموعك ؟ هل كانت تحيتك العسكرية رسالة تحمل ما تحمله من لعنات على تجار الموت والخراب ؟ هل كانت هذه التحية ترجمةً حرفية لاهزوجة الامهات حين يواجهن موقفا كهذا، ( عفية ابني الربيته لهذا ) . 
 حسين جاسب طابور العلياوي، أحد أبطال الحشد الشعبي ( لواء 313) استشهد في قاطع سامراء ؛ لكن القائد العام لتربيته ونشأته والمسؤول عن صناعته بطلا ورمزا هي أمه، وقد رفضت ان يكون التشييع رتيبا، ويمر مثل أي حدث عابر، في بلد صارت فيه اخبار الموت ثانوية جدا، لكثرة شيوعها، واعتياد الناس عليها، فمنذ اكثر من اربعين عاما وامهاتنا تبذر الاطفال في تربة الرجولة كي ينضجوا فتقطفهم الحروب بمنتهى التبذير ؛ لكنّ ما يخنقني هو:( لماذا فعلت ام حسين هذا ) هل كانت ترد التحية على ولدها ؟ 
هل كانت تطالب بأن تؤدى التحية العسكرية لكل الشهداء ؟ هل هربت من عينها الى يدها ؟ من دمعها الى التحية ؟ من انحناءتها وانكسار ظهرها، الى وقفة تقول بها لولدها، ها انا اقف مثلك  ؟ 
 اقسم انها صفعة لكل من تآمر على البلد، وليست تحية عابرة، واقسم انها تحية ( عِدْلَ ) العراق بكل عمقه التاريخي . 
 المجد والخلود لولدك ايتها النخلة الباسلة، والسلام عليك بحجم دمعك المكبوت، وآخر ما اقوله : ان هذه اليد النبيلة التي رفعت بطريقة عسكرية ستلاحق لعنتها كل من يدعون الرجولة زيفا . وانها يدٌ من حليب ودمع، من ولادة وفقد، لكنها يد نخلة لم تشأ ان يفرح الادغال بمقتل 
ابنها .