- 1 -حسين الصدر
على المستوى الشخصي : قد يكون من المعيب أنْ تحاسب بدقة على المشتريات الصغيرة ، لأنها ليست بذات أهمية وقد تُوصف بالبخل والحرص الشديد اذا أطلت النظر فيها .
ولكن على المستوى الرسمي : لابُدَّ ان يكون التدقيق شديداً في قوائم المصروفات ، لأنها من المال العام الذي لا يصح التهاون بجزء منه على الاطلاق ..
- 2 -
ومن طرائف التدقيق في الحسابات ما نقله التاريخ عن (بشّار بن بُرد) – الشاعر الشهير – حيث ( رفع غلام بشار اليه في حساب نفقتِهِ جلاء مرآة عشرة دراهم .فصاح به بشّار وقال :
والله ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة أعمى بعشرة دراهم ،والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم ) الأغاني / ج3 / 162
وبالفعل انّ الدراهم العشرة تعتبر رقما لا يصح قبوله كأجرة عن جلاء مرآة حيث انّ الرقم مبالغ فيه ..!! لاسيما انّ المرآة تعود الى (بشار) وهو أعمى العين، ولا ينتفع بها على الاطلاق ...ثم انّ بشار معروف بتعليقاته الساخرة وأجوبته النادرة . فقد علّق على قوم مرّ بهم وهم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها فقال : ما لهم مسرعين أقراهم سرقوه فهم يخافون أنْ يُلحقوا فيؤخذ منهم . ومن هذا الطراز كان تعليقه على ما ذكر من أجرة جلاء المرآة ..!!
- 3 -
وتنقلنا هذه القصة من التدقيق في أجرة جلاء المرآة ، وهي قضية ليست بذات أهمية وخطر، الى القوائم الكبرى التي حُشِيتْ بأرقام ليست حقيقية على الاطلاق ، وبولغ بها الى حد غير قابل للتصديق ترفع الى هذه المؤسسة الرسمية أو تلك فتدفع من دون نقاش ومن دون تدقيق ..!!
- 4 -
انّ المليارات من الدنانير لا الملايين ، قد تم هدرها وتبديدها من خلال هذا المسلك الوخيم والمنهج السقيم، الذي أتاح الفرصة للمختلسين والفاسدين للاثراء غير المشروع على حساب الوطن والمواطنين .
- 5 -
ولا أدري كيف نفسّر اهمال الجهات المختصة التقارير التي نشرت الكثير من فضائح الاختلاس وتهريب الأموال الى الخارج ؟
ان المرحوم الدكتور احمد الجلبي أعدَّ تقريراً مهماً للغاية في هذا الباب معززاً بالأرقام والاسماء، ولكنْ لم تُتخذ الاجراءات الرسمية المناسبة ، لا من الادعاء العام ، ولا من الجهات الرقابية .
- 6 -
وحتى من يعترف – والاعتراف سيد الادلة – بقبض الأموال بشكل غير شرعي لا يُحاسب ولا يلاحق قضائياً ...
- 7 -
لم يصوت (مجلس النواب) على رفع الحصانة من اي نائب من النّواب ، وهذا ما جرّأ المعترف على الاعتراف المذكور ..!!
وقديما قيل : ( من أمِن العقوبة أساء
الأدب )
- 8 -
انّ حقّ الشعب العراقي بملاحقة المختلسين والقراصنة لا يسقط بالتقادم .
واننا على يقين انّ المختلسين لن يهنئوا بما سرقوه من المال العام وستتم ملاحقتهم قَصُر الشوطُ أو طال .فالمسألة مسألة وقت ليس الاّ .
انّ شبكات حماية المفسدين آخذة بالتفكيك والانحلال ، وهذا ما يجعل الطريق مفتوحا أيام محاسبتهم وملاحقتهم وتجريعهم .
- 9 -
ماذا تقولون :في سارق عمد الى سرقة بيوت أشقائِه ؟ ألستم ترونَه من أشد الساقطين أخلاقياً ؟ انّ المختلسين للمال العام هم الذين يختلسون أموال اخوانهم واخواتهم من المواطنين العراقيين، من دون حياء وبلا وجل ، فهم ساقطون بكل المعاني الدينية والقانونية والاخلاقية والاجتماعية والحضارية .