الرحَّالة يونس بحري في معرض أبو ظبي للكتاب

منصة 2024/05/07
...

 أبو ظبي: فيء ناصر

ضمن البرنامج الثقافي الغزير المرافق لمعرض أبو ظبي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين، أقيمت ندوة حواريَّة بعنوان {الفرد والتاريخ والرواية: حول الرحالة العالمي يونس بحري}، وشارك في الندوة كل من الدكتور سعدي يونس بحري، والأستاذ حسن محمد العنزي. وبإدارة الروائي العراقي شاكر نوري. يقول الروائي شاكر نوري الذي أدار الندوة الحواريَّة: من منا لم يسمع بيونس بحري، هذا الرحالة الذي غادر العراق وقطع المحيطات والجبال والوديان لكي يصل إلى ايران واليابان وأمريكا ثم إلى أوروبا.
 لقد أضفى هذا الرجل على نفسه وعلى الأحداث التي عايشها في القرن العشرين، طابعا خاصا، وظلّ معينا خصبا للكتابات وامتزج الخيال بالواقع في سردية حياته بحيث تحول هذا الرجل إلى أسطورة من أساطير الأدب والصحافة والسياسة، وهو مصدر إلهام للكثير من الأعمال الأدبية مثل رواية “يونس بحري وموانئ الليل” للكاتب العراقي المقيم في السويد سامي البدري، وفيها يروي سرديته ورؤيته ليونس بحري.
واستعرض نوري حياة ضيفه الدكتور سعدي يونس بحري، وهو يضيف: تخرج بحري من كلية الحقوق في بغداد، ثم اتجه إلى المسرح وعمل مع كبار المخرجين والفنانين، وأخرج الكثير من الأعمال المسرحية في أكاديمية الفنون الجميلة التي عمل فيها أستاذا أيضا، يتقن العربية والإنكليزية والفرنسية، ومثل في أفلام عديدة، وتخصص تحديدا في تقديم ملحمة كلكامش في المسارح العالمية وله عدة إصدارات منها ملحمة كلكامش في اللغة الإنكليزية في باريس، وصدر له نفس الكتاب باللغة العربية عن الهيئة العربية للمسرح، ومثّل وأخرج فيلما طويلا عن ملحمة كلكامش وهو يقدم المسرحية بشكل مستمر في المسارح العالمية.
وتحدث الدكتور سعدي يونس عن علاقته بأبيه، قائلا إن “والدي يونس بحري تزوج والدتي هناء اسماعيل حقي بداية عام 1933 في مدينة الموصل، وأمي امرأة متحضرة ومثقفة ووالدي كان صحفيا وسياسيا ورحالة، اضطرته أسباب سياسية للهجرة من العراق عام 1939 إلى ألمانيا التي وصلها سراً لأنّه حُكِمَ بالإعدام، فبعد اصداره جريدة العقاب بداية ثلاثينيات القرن الماضي وكانت أول جريدة مسائيّة في بغداد، كان والدي يواكب الأحداث السياسية والاجتماعية ويكتب عنها في صحيفته، مضيفا: «وعندما قتل الملك غازي عام 1938 كان أول من نشر خبر مقتله في صحيفته المسائية ونتيجة ملاحقته من قبل الأمن استطاع الهرب بمعاونة السفارة الألمانية.
كطفل حُرمتُ نعمة وجود الأب في حياتي وأتذكر بيتنا في بغداد حيث عشنا الى جوار بستان وكان البستاني قد منح كل واحد منا، وكنا ثلاثة أخوة، نخلته الخاصة التي كنا نتسلقها لنأكل الرطب».
كما وتناول نشأته متابعاً: مولعا كنت بأصوات الطبيعة التي تحيطني وألوانها، وفي هذا الجو كنت كثير السؤال عن والدي، جدتي لأمي مريم هي من ربّتنا وكانت تدبّر أمور معيشتنا، كانت خيّاطة لذلك أنا مولع جدا باِسم مريم وأتمنى كتابة كتاب عنها وأسميه «مريم قديسة بغداد» وكثيرا ما أقول إنّني خرجت من إبرة جدتي، عانيت في طفولتي عانيت من غياب والدي وحلمت دائما بلقائه، وكنت احتفظ بالصحف التي ينشر مقالاته فيها.
لقد رأيتُ والدي 4 مرات فقط في حياتي كلها، عندما جاء بداية الخمسينيات الى بغداد، كان عمري عشر سنوات تقريبا، ألبستني جدتي ملابس جميلة وأخذتني إلى الفندق لزيارة والدي لأول مرة في حياتي.
من جهته، تحدث الاستاذ حسين محمود العنزي عن محطات من حياة يونس بحري الرحّالة، وكيف تحول الى اسطورة، كما يقول: تعرفت على يونس بحري قبل سبع سنوات من خلال خبر عنه وبدأت بعد ذلك رحلة البحث عنه وبدأت بتجميع عدد كبير من الملفات وتواصلت بعد ذلك مع إبنه الدكتور سعدي.
ويعتقد العنزي أن يونس بحري تحول إلى شخصية تشبه شخصية جحا واختلطت الحقيقة بالخيال حوله، لكن من خلال البحث المستمر لمدة أربع سنوات وتتبع مسيرة حياته، مضيفا «وجدنا أكاذيب كثيرة للأسف، حتى يونس بحري نفسه قد صدقها، ومن هذه الأكاذيب أنه أطعم هتلر في فيينا مثلا، ومن خلال تتبعي لهذه المعلومة، وجدت أن هتلر قد ولد عام 1889 بينما ولد يونس بحري عام 1900 ويقال 1902 بمعنى أن هتلر تجاوز مرحلة التشرّد في فيينا حينما تقدم لأكاديمية الفنون ورُفض وبقي سنة أو سنة ونصف مشرّدا في فيينا وبحاجة الى المال، بمعنى أن يونس بحري في تلك الفترة كان يبلغ الرابعة أو الخامسة من عمره ولم يخرج من العراق.
وقد التحق بالخدمة العسكرية عام 1914 وتعرف على هتلر عن طريق جوزيف غوبلز وزير دعاية هتلر، وبعد عام 1939 عندما أتّهم باغتيال القنصل الأمريكي والمشاركة بمقتل الملك غازي قام السفير الألماني في بغداد بتسفيره ليلًا عن طريق البريد الدبلوماسي وحينما وصل الى ألمانيا التقى غوبلز ويبدو كانت تربطه علاقة قديمة معه وقدمه غوبلز الى هتلر، وطرح يونس بحري على هتلر فكرة الاذاعة الموجهة للعالم العربي والشرق الأوسط ورحّب هتلر بالفكرة.
ويشير إلى أن هناك صورة توثق هذه المقابلة كان فيها يونس بحري على اليسار وهتلر على اليمين وغوبلز في الخلف، واقترح يونس بحري بدء البث الاذاعي بآيات من القرآن الكريم، وفعلا بثت اذاعة هنا برلين حي العرب، وكل أجدادنا وآبائنا يتذكرون تلك الاذاعة لدرجة أنها ذُكرت في فيلم وقائع سنوات الجمر للمخرج الأخضر حامينا وفي دقيقته الخمسين يقوم المجاهدون ضد الاحتلال الفرنسي، بتشغيل الراديو على تلك الاذاعة، ويذكرون اسمه يونس بحري، وفعلا يُسمع صوت يونس بحري في الفيلم، بطريقته المسرحية الجهورية التي يبدو أن ابنه الدكتور سعدي قد ورثها عنه».
ويتابع: «باختصار أن خروجه الأول من العراق كان إلى تركيا للدراسة في المدرسة البحرية ويقال إنه سُمّيّ البحري لأنه دخل المدرسة البحريَّة وهناك رواية أخرى تقول إنّه عبر قناة المانش بين بريطانيا وفرنسا لذلك جاءت تسميته بالبحري، وبعدها سافر الى ايران وماليزيا واليابان وأمريكا ويقال إنه وصل إلى استراليا، وحينما عاد الى العراق وأصدر صحيفة العقاب، واشتغل في وزارة الماليّة فترة ثم فُصل من وظيفته وسافر إلى اندونيسيا بطلب من الملك عبد العزيز آل سعود مع عبد العزيز الرشيد، حيث طلب منهما الملك عمل حملة للحج والعمرة في بلاد تجهل تلك الشعائر، وأسسا في اندونيسيا مجلة اطلقا عليها «العراقي والكويت» وتوجد أعداد منها، توفي عبد العزيز الرشيد في اندونيسيا، وأصبح يونس بحري «مفتيًا» في إحدى الجزر الأندونيسية.
كما وتحدث عن طرائفه قائلا: إنه حرّمَ زواج رجل مسن بفتاة تبلغ من العمر أربعة عشر عاما لكنّه تزوجها فيما بعد. عاش فترة الحرب العالمية الثانية في ألمانيا وتعتبر هذه الفترة من أهم مراحل حياة يونس بحري وهناك أسس المكتب العربي وكان بمثابة الجامعة العربية مع أمين الحسيني مفتي القدس ورشيد عالي الكيلاني بعد فشل ثورته في عام 1941 وحينما توقفت الحرب بهزيمة النازية وجد يونس بحري نفسه يتصدر القائمة الثانية من المطلوبين الذين تعاونوا مع النازيين وكان تسلسله الرابع في تلك القائمة. وقد اضطر لانتحال شخصية حاخام يهودي ودخل لفرنسا لكن فاته أن ينقش رقم الأسر على يده كما كان يُفعل مع الأسرى اليهود، وادّعى الجنون حينما كُشِف أمره وأقتيد الى السجن، حتى يتفادى الحكم بإعدامه. وبطريقة ما التقى بشارل ديغول وبدعم منه أصدر جريدة العرب في باريس، انتقل بعدها الى ليبيا وأصبح المستشار السياسي للملك السنوسي وانتقل الى لبنان.
طوال حياته كان العدو اللدود لنوري سعيد والوصي على العرش الأمير عبد الإله ولم يُمنح جواز السفر العراقي لكنه كتب مقالا تأييدا لنوري سعيد بعد أن اشتعلت الحرب الأهلية الأولى في لبنان، لكي يُسمح له بالعودة الى العراق، وما أن عاد حتى أُطِيح بالملكية في العراق وأقتيد الى السجن بتهمة تأييد النظام الملكي، وفي آخر سنواته قدم إلى ابو ظبي وعُين في وزارة الإعلام لكنه عاد الى العراق عام 1979 وانتهى وحيدا وفقيرا بعد حياة حافلة بالمغامرات والأسفار.