روسيا تضغط بشدّة لكسب أراضٍ جديدة

قضايا عربية ودولية 2024/05/07
...

 ترجمة: أنيس الصفار                                            

يحذر مسؤولون ومحللون متخصصون من المساعي التي تبذلها القوات الروسية للاستيلاء على "أكبر قدر ممكن من الأراضي" في أوكرانيا وبأي ثمن استباقاً لوصول المساعدات العسكرية الأميركية الحساسة إلى أيدي قوات كييف.
فرغم أن الدفعات الأولى من حزمة المساعدات الأميركية البالغة قيمتها 61 مليار دولار، والتي تشمل كل شيء من الصواريخ بعيدة المدى إلى المركبات المدرعة والمدفعية الحيوية، قد بدأت تصل خلال هذا الأسبوع فإن الأمر يمكن أن يستغرق أسابيع أو حتى شهوراً قبل اكتمال وصول مقادير مؤثرة من تلك المساعدات.

تفوق عسكري
في غضون ذلك، تحاول القوات الروسية استغلال تفوقها بالمدفعية والقدرات البشرية إلى أقصى حد على خط المواجهة، حيث صارت تعجّل بعمليات تطويق مساحات واسعة من الأراضي التي يسيطر عليها الأوكرانيون في شرق منطقة دونتسك.
يقول "بافل لوزين"، الذي يتركز عمله على شؤون القوات المسلحة الروسية في مؤسسة "جيمستاون" للأبحاث في الولايات المتحدة: "يبدو الكرملين على عجلة من أمره، حيث يحاول الروس تحسين مواقعهم القتالية بأي ثمن لأجل إرغام أوكرانيا على التفاوض لوقف إطلاق النار".
فبعد استيلائها على مدينة "أفدييفكا" في شهر شباط الماضي قامت القوات الروسية على مدى الأسابيع القليلة الماضية بالاستيلاء على 25 كيلومتراً مربعاً من الأراضي داخل بلدة تدعى "أوشريتاين" وحولها في إقليم دونتسك.
بموقعها إلى الشمال من "أفدييفكا" بنحو 20 كيلومتراً تكون هذه البلدة هي أحدث ضحايا الاندفاع الروسي المنسَّق على هذا المحور، حيث استولت قوات موسكو أيضاً على ما مجموعه إحدى عشرة مستوطنة هناك. تظهر في اللقطات المصورة للمنطقة مساحات ريفية دمرها القصف المدفعي في حين تقدر الأوساط الاستخبارية الغربية أن روسيا فقدت عشرات الآلاف من جنودها في ذلك الاندفاع.
جاء الاستيلاء على "أفدييفكا" قبل الانتخابات الروسية في شهر آذار، وهي الانتخابات التي عززت موقف "فلاديمير بوتين" على سدة السلطة. والتقدم الأخير، من وجهة نظر المحلل الحربي ومستشار وزارة الخارجية الأوكرانية "تاراس شوفتينكو"، يمثل امتداداً لتلك العملية.
يقول شوفتينكو: "كان واضحاً قبل الانتخابات الرئاسية الروسية أن السيطرة على مزيد من الأراضي تكليف سياسي أوكلته القيادة العليا إلى الجنود الروس، وما نشهده حالياً إنما هو متابعة لذلك التكليف السياسي. إنهم يحاولون الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي يتمكنون منه قبل وصول المساعدات العسكرية الأميركية.".

سقوط مدن جديدة
على مبعدة ساعة تقريباً بالسيارة إلى الشمال من "أفدييفكا" تضغط القوات الروسية أيضاً بقوة على المشارف الجنوبية لمدينة أوكرانية صغيرة اسمها "شازيف يار"، كان تعداد سكانها قبل الحرب يقارب 12 ألف نسمة أما اليوم فلم يتبق فيها سوى بضع مئات من المدنيين.
هذه المدينة قريبة أيضاً من "باخموت"، تلك البلدة التي استولت عليها روسيا في شهر أيار الماضي بعد أشهر من القتال الدموي. اكتسبت "باخموت" أهمية فاقت حجمها بكثير بسبب شراسة المعارك التي دارت حولها.
يقول "مايكل كلارك"، وهو أستاذ زائر متخصص بدراسات الحرب في جامعة "كنغز كولدج" بلندن: "لم تكن لباخموت أهمية ستراتيجية حقيقية، لكن شازيف يار لها مثل تلك الأهمية".
من خلال موقعها على أراضٍ مرتفعة توفر هذه المدينة ممراً طبيعياً باتجاه الشمال، وهو ممر يمكن أن يتيح للقوات الروسية مهاجمة مدينة "كارماتورسك" أو حتى أبعد من ذلك غرباً صوب "دنيبرو".
يقول كلارك: "المدينة أيضاً خط دفاع طبيعي قبل كوستيانتنيفكا إلى الجنوب الغربي، وهي إحدى المدن الكبرى في منطقة الدونباس، فإذا ما تمكن الروس من التحرك بزخم حقيقي جاز لهم أن يتوقعوا إحراز سلسلة من الانتصارات، من شازيف يار إلى كوستيانتنيفكا وبوكروفسك فكارماتورسك وسلوفيانسك، وهذا سيمكنهم من السيطرة على منطقة الدونباس".

معاناة أوكرانية
أما القوات الأوكرانية، التي تعاني عجزاً في سلاح المدفعية بنسبة واحد إلى سبعة تقريباً مقارنة بالقوات الروسية، فإنها تناضل للتشبُّث بـ"شازيف يار"، وهي تستخدم قناة مائية تجري على امتداد الحافتين الغربية والجنوبية للمدينة كخط دفاع طبيعي، بيد أن القوات الروسية تواصل التجحفل بهذا الاتجاه. يقول متحدث عسكري محلي إن ما يصل إلى نحو 25 ألف جندي قد أعيد تحريكهم إلى هناك استعداداً للمعركة.
كتب موقع "فرونتلاين إنسايت"، وهي مؤسسة أوكرانية تتابع وقائع الحرب ولها صلات وثيقة بالجيش الأوكراني: "إن تركز قوات روسية متفوقة العدد في هذه المنطقة يثير دواعي قلق جدية. فمن دون اتخاذ تدابير تثبيت فعالة سوف تستفيد القوات الروسية من أرجحيتها العددية لإحداث اختراق عبر القناة وتأسيس رأس جسر في الغابة على الجانب الغربي".
في مقابلة مع مجلة "الإيكونومست" أشار نائب رئيس الوكالة العسكرية الأوكرانية، اللواء "فاديم سكيبتسكي"، إلى أن سقوط "شازيف يار" بيد الروس قد يكون مسألة وقت لا أكثر.
كان الشعور السائد بين المسؤولين العسكريين والمحللين الأوكرانيين حتى الآن هو أن المكاسب الروسية الأخيرة قد تبقى محصورة بالمدن والبلدات الصغيرة، وإن القيام بتقدم أبعد نطاقاً مسألة بعيدة الاحتمال. لكن إذا ما حدث مثل هذا التقدم فإن الاحتمال الأرجح هو أن يأتي من جهة "شازيف يار".

قبل يوم النصر
يعتقد المسؤولون الأوكرانيون أن بوتين قد وجه الأوامر إلى قواته، عبر جنرالاته بشكل غير مباشر، بالاستيلاء على المدينة المذكورة قبل حلول "يوم النصر" في 9 أيار، وهو يوم الاحتفال بذكرى انتصارات السوفييت في الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل قبل توجه بوتين لزيارة الصين والالتقاء بالرئيس "شي جنبنغ"، أقوى حلفاء روسيا، في الأسبوع التالي لذلك.
من غير الواضح بعد إن كانت قوات الكرملين ستتخذ من ذلك مرتكزاً للوثوب والاستيلاء على منطقة الدونباس بتمامها، وهذه المنطقة تضم أبعد منطقتين إلى الشرق في أوكرانيا، وهما "دونتسك" و"لهوانسك". بيد أن ذلك هو الهدف الواضح  "للعملية العسكرية الخاصة" التي شنَّها الكرملين، وهي التسمية التي استخدمت لوصف غزو أوكرانيا.
يشير تقرير "فرونتلاين إنسايت" إلى أن القوات الروسية ربما ستسعى لتنفيذ عملية مزدوجة انطلاقاً من "شازيف يار" و"أوشريتاين" بهدف تطويق القوات الأوكرانية المرابطة بينهما والإطباق عليها، ولو أنه يعود فيستدرك بالقول إن ما من دلائل حالياً تنم عن أن تلك المنطقة من خط المواجهة يمكن أن تشهد
انهياراً.
يبدي "فاديم إيفتشنكو"، وهو برلماني أوكراني وعضو في اللجنة الأوكرانية للأمن القومي والدفاع والاستخبارات، تشككه
هو الآخر.
يقول إيفتشنكو: "لا يمتلك الروس قدرة الاستيلاء على مدن كبرى. هم قادرون على أن يستولوا على القرى الصغيرة ومساحات من الأرض المفتوحة فقط، مثلما يفعلون في باخموت، أما أفدييفكا وشازيف يار فإننا نتحدث هنا عن مدن يبلغ تعداد سكانها عشرات الآلاف. لقد دمر الروس المدينة تماماً ولم يبق فيها أحد. ذلك لن يحدث كبير أثر على كامل خط المواجهة، وإذا ما واصلنا ضرب خطوط إمدادات الروس بأسلحتنا بعيدة المدى، وعالجنا الثغرة في سلاح المدفعية، فسوف نكون قادرين على المنافسة في اجزاء أخرى من خط الجبهة وتحرير الأرض".
حين تصل المساعدات العسكرية الأميركية فإنها سوف تثلم بلا شك، ولو جزئياً على الأقل، ميزة التفوق التي تتمتع بها القوات الروسية حالياً على
خط المواجهة.
بيد أن المحللين يبقون يشعرون بالقلق والتطير من أن روسيا، إذا ما واصلت استيلاءها على البلدات والأراضي، لاسيما شازيف يار، فإنها سوف تتمكن من تصعيد ضغطها بشكل كبير على قوات كييف.

عن صحيفة الإندبندنت