نصير فليح
تمر الأعوام وشفافية الكشف عن الفساد تظل غائبة. الحكومة، المسؤولون، السياسيون، والشعب، الجميع يعرف أو يشعر باستشراء الفساد ويتحدث عنه، لكن الوعود المتحمسة باعلان الحملات القوية ضده كانت وما تزال تتأخر، لتذوب وتتبخر مع مرور الوقت. فلا اجراءات محددة بحق اشخاص محددين، وما يظهر على وسائل الاعلام ليس اكثر من شذرات متفرقة مشوشة وضبابية عن اجراءات، او النية للقيام بالاجراءات، دونما تحديد لـ “متى” و”كيف” و”من”؟
بالمقابل، فإن التجربة اليومية للمواطن في تعامله مع دوائر الدولة ومؤسساتها تبين ان عمليات التعامل الفاسدة مستمرة، وان الممارسات والاجراءات الحازمة ضد هذه البلوى غامضة وغير فعالة، مثل الاعلان عن بعض ارقام الهواتف لبعض المسؤولين ليتصل بها المواطن. والجميع يعرف ان دهاء الفاسدين اكبر من ذلك بكثير، ولا يتيح توفير ادلة جاهزة من هذا النوع، وانهم عادة ما يضعون امامهم واجهات ووسطاء كثيرين، الى ان يفهم المواطن الرسالة (على افتراض انها غير مفهومة لديه اصلا). وان الكثير من هؤلاء الفاسدين انفسهم، المتوارين خلف الكواليس بعيدا عن الواجهات المباشرة، لهم اتصالاتهم وتنسيقاتهم مع مسؤوليهم الاعلى، وبالتالي لا شيء يشجع فعلا على صيغة “التبليغ” أو “الشكوى” هذه، وان محاولة كهذه ستذهب ادراج الرياح، او تخلق العداء والعرقلة المتعمدة. وحتى اذا نجحت، ولو جزئيا، فهناك قوى اخرى عشائرية او شخصية او حزبية قد تتدخل، وبالتالي تذهب العملية كلها في طريق مسدود.
كانت هناك ممارسة ايجابية شعر بها الناس على نطاق واسع في بعض دوائر وزارة الداخلية في الاعوام الاخيرة في ما يتعلق باصدار الوثائق الرسمية للمواطنين، حيث كان الضبط والربط واضحا فيها، فالمدد الزمنية لانجاز المعاملات محددة، وبالتالي كان الموظفون ملزمين بانجاز الاجراءات دونما تاخير والا تعرضوا للمساءلة والعقوبة، وكان واضحا لمن يراجع دائرة كهذه وجود اشخاص ملتزمين ومنضبطين يتابعون الاجراءات عن كثب في مفاصلها المختلفة. وبالتالي امست هذه الحالة الايجابية معروفة على نطاق واسع في الشارع العراقي، يتحدث الناس عنها وعن ايجابياتها، ويحثون كل من لديه معاملة على الذهاب براحة بال لانجازها دون تردد او تخوفات.
كم سيكون الامر ايجابيا لو تم الاقتداء بهذه الحالة الفعلية الملموسة؟ لماذا لا يتم تعميم ثمار التجارب الناجحة والاستفادة من تفاصيل الخبرة فيها، بدل هذه الفجوة الواسعة بين ما يراه الانسان المواطن في الواقع الملموس عند مراجعاته، وبين الاخبار والنتف الضبابية عن النية للقيام بهذه الاجراء او ذاك، او تشكيل لجان اضافية لمراقبة اللجان الموجودة، وهكذا تتراكم وتتضحم سلاسل اللجان دونما نتائج واضحة.
والى ان يتحقق شيء ملموس من هذا القبيل، يظل الشعور العام لدى الناس ان ليس هناك اجراءات فعلية ملموسة لمحاربة الفساد وهدر الاموال، وان الامور تراوح في مكانها الذي كانت عليه لاعوام
طويلة.