النقد الإسلامي للماديَّة والماركسيَّة

آراء 2024/05/09
...

علي المرهج

في كتابه (مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني) يذهب الشيخ الإمام شمس الدين إلى رفض الفكرين الماركسي والرأسمالي، لأنهما على الاختلاف الظاهر بينهما، ينتهيان إلى نتيجة مفادها: بأن كلا النزعتين تتعاملان مع الإنسان بوصفه كائنا ماديا، لأن دعاة الرأسمالية انشغلوا بتحسين ظروف العمل ورفع مستوى الإنتاج، «ليس صدقة ولا إحسانًا وإنما هو استثمار للمال يعود بمزيد من الربح». كانت الماركسية هي الضد النوعي للرأسمالية، ولكنها سقطت في انغماس مفكريها وقادتها بنقد الفكر الديني وتغييب تأثيره الروحي في حياة الشعوب، فصار العلم الثالث رهين إرداة قوتين متجاذبتين هما: الرأسمالية
والاشتركية.
مشكلة الأيديولوجيتين كما يرى شمس الدين يكمن في استبعادهما للعمل الديني أو الروحي، وهو يُنكر على الماركسية قولها بقانون «صراع الطبقات» لأن الصراع إن كان موجودًا، فهذا لا يعني أنه قانون يحكم حركية التاريخ، لأن التعاون موجود أيضًا، و»في الطبيعة فالقانون الظاهر هو قانون التكامل، وليس مبدأ  التناقض».
يستفيد شمس الدين في نقده للماركسية من رؤى النزعة الليبرالية ونزعتها الليبرالية، حينما ينتقد مفهو «الإنقلاب» و»العنف الثوري» عندهم» بقوله إن «المقابل له في العمل السياسي هو الأسلوب الديموقراطي الذي يعتمد التغيير عن طريق التشريع»، فعاب على اليسار الماركسي نزوعه للعنف وظغسكات المخالفين لهم.
مشكلة الماركسية كما يرى شمس الدين أنها تنتصر للحريات والديموقراطية وحرية الجماعات، ولكن هذه المفاهيم تغيب حينما تتضاد أو يُناقض من تبناها رؤيتهم العقائدية.
ينظر شمس الدين برؤية عروبية لموقع العرب في القيادة للعالم الإسلامي، «فالعرب هم قلب العلم الإسلامي جغرافيًا وفكريًا، وثورياً».
في معرض نقده لدكتور صادق جلال العظم في كتابه «نقد الفكر الديني» يُبيّن وجهة نظره على «أن الدين عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل للحياة، يُقوّم السلوك الإنساني، ويرسم المناهج الصحيحة لهذا السلوك، ويرفع الكائن البشري من مستوى الحيوانية إلى مستوى الإنسانية العالمية»، ولا أعرف كيف توصل شمس الدين لهذه النتيجة في خضم صراع الفرق والمذاهب الدينية في إدعاء كل واحدة منها على أن أصحابها هم من يمتلكون الحق الذي «لا مجمجة فيه»!، بل كيف توصل لهذه النتيجة ونحن نعيش صراع  الأديان؟!.
كان جُل همه في هذا الكتاب هو الرد على صادق جلال العظم، وما ذكره حول الرأسمالية لا قيمة معرفية له، لأن شغله الشاغل هو الرد على المادية الماركسية ممثلة بأطروحات صاحب كتاب «نقد الفكر الديني»..
عمل بكل جد واجتهاد على إثبات العلّة الأولى للعالم، على قاعدة «أن لكل شيء سببًا»، معتمدًا على ما ذكره «ملا صدرا» من أن «لا يكون لأحد الشيئين وجود مستقل عن وجود الآخر» أو ما يُسميه «الشيرازي» «رباط العلّية»، «والمادة لا يمكن أن تكون هي العلّة الأولى أو النهائية للكون، لأن الكون يحتوي على حشد هائل من المظاهر المتنوعة، والأنواع المتباينة، وهي ترجع بأجمها إلى حقيقة واحدة»، فيؤكد لنا على «أن المادة ليست ديناميكية، وهي ليست نفسها سببًا ذاتيًا لاكتساب خصائص  تنوعها».
دافع صادق جلال العظم عن موقف إبليس، لأن الله حلق إبليس من نار وخلق آدم من تراب، والنار أعلى شرفية من التراب، بل ويؤكد العظم أن رفض إبليس للسجود لأدم هو بداية السؤال الإشكالي الذي يمثل بداية التساؤل الفلسفي، ليرد شمس الدين بالقول:»»إن السجود ليس السجود لآدم لاعتباره شخصًا، وإنما السجود للنوع الإنساني وآدم ممثل لهذا النوع»!، وهذا من وجهة نظري ليس تبريرًا عقليًا، لأن الإشكال باق ألا وهي مرتبة الشرفية بين الملائكة الذين منهم إبليس وبين آدم، على قاعدة اعتراض إبليس نفسه «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين».
من تعلم من الملائكة السجود لله لا يمكن له تقبل السجود لغيره حتى وإن كان خليفته في الأرض، لأن الملائكة هم صور الله في الوجود، وفق التصور العقلاني للنص القرأني عن الملائكة بوصفهم أعلى درجة في المرتبة الشرفية من البشر، وإن لم يكن أمر السجود أمر مشيئة، بقدر ما كان أمر ابتلاء كما يذهب لذلك د.صادق جلال اعظم، بل يراه شمس الدين إنما هو «أمر امتحاني وهو قسم من الأمر التشريعي، وهو أمر صوري القصد منه تربية الإرادة الإنسانية على الإذعان المطلق لإرادة  الله».
يختم الشيخ شمس الدين كتابه هذا بالقول «إن الغيب الماركسي اعتراف بالجهالة في ما يعود إلى أصل الكون،...أما الغيب الديني فهو أمر تقضي به الضرورة العقلية»، وأن «لا فرق بين الإلهي والمادي في ما يتعلق بالعلم واكتشافاته، فكلاهما يعتبر الطبيعة موضوعًا لبحثه العلمي، وكلاهما يؤمنان بنتائج البحث العلمي في مجال التجربة في الطبيعة والإنسان، وليس في حقائق العلم شيء يُمكن تسميته ماديًا أو إلهايًا».