ثقافة التشجيع

الرياضة 2024/05/09
...

يوسف المحمداوي

الكثير من مظاهر التشجيع اليوم لم تكن موجودةً في الماضي، أي ما قبل التغيير، وعدم وصول الإنترنت للعراق، لأنَّ دخول شبكات التواصل بجميع مسمياتها أتاح للمشجّع الرياضي الكثير من فرص التعرّف على نواد رياضية جديدة، فالأندية الإسبانية لم تكن أصلاً موجودة على سبورة معرفتنا، وقد تكون معلوماتنا السابقة محصورة ما بين الأندية الإنجليزية والبرازيلية وبعض الدول الاشتراكية المنضوية تحت حكم الاتحاد السوفيتي السابق، أو أندية ألمانيا الديمقراطية واليوغسلافية التي تزور بلدنا بين آونة وأخرى، وكذلك العربية المصرية بالتحديد.
اليوم وفي ظل ثقافة النت التي جعلت من عالمنا المترامي عبارة عن ملعب رياضي تزوره من خلال كبسة زر الكيبورد لمعرفة هذا النادي أو ذاك، تجد اليوم بعض المشجعين يستغربون لكونك تواظب على تشجيع هذا النادي المحلي أو ذاك، لكون البعض وللأمانة أقولها يرون أنَّ ما يشاهدونه من مستويات الأندية المحلية لا يليق بممارسة كرة القدم عطفاً على المستويات المبهرة التي تقدمها الأندية الأوروبية من كرة شاملة وممتعة، لذا تجد بعض المشجعين حين يتحدث عن هذه المباراة أو تلك وكأنه أحد المحللين الرياضيين في قناة تلفازية متخصصة لما تولدت لديه من خبرة ومعلومات مهمة بسبب متابعته لبرامج رياضية نافعة.
لكن على مستوى التشجيع المحلي وثقافته، أصبحنا نغرّد خارج السرب بأمور لا تمت للرياضة وأخلاقياتها بأي صلة، لتصبح الشتيمة ووصف الأندية بأوصاف معيبة وبعيدة عن الآداب العامة التي جبلنا عليها، وأصبح تشبيه الأندية بحيوانات معينة العرف السائد عند أغلب المشجعين، فإطلاق تسمية “العگروگي” على النادي الفلاني أصبح لازمة عند البعض، وتسمية “الجريذي” على ناد آخر، أو اتهام ناد آخر بالانتماء لحزب النظام السابق، رغم أنَّ أغلب مشجعيه مواليد ما بعد التغيير ولم يعيشوا تحت قيادة حزب الدكتاتور، أو إطلاق الشتيمة والسباب على لاعب جريمته أنه يمثل نادياً لا يتوافق مع رغبة المشجع، واتهام الحكام بشتى أنواع التهم كالرشوة وعدم الحياد، وجميع تلك السلوكيات لم تكن موجودة في سبعينيات أو ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، وقد يقول أحدهم إنَّ المانع في السابق هو دكتاتورية الحكم والخوف منه، أبدا بل كان المانع هو التمسك الأخلاقي والتربوي الذي يتحكم بوعي الجمهور باعتبار أنَّ الرياضة وتشجيع الأندية وجد لإسعاد النفوس وتنمية العقول وزيادة الوعي وتهذيبه عند الشباب، ولم تكن لعنصرية التشجيع في ذلك الزمن أي مساحة، بل كانت المتعة وتسليط الضوء على المواهب المميزة وتشجيعها سواء كانت في هذا النادي أو ذاك هي العنوان لكونها موهبة للبلد وليس للنادي، ولكن اليوم نجد ما يشوه تلك الصورة بل ويصر على ممارستها وكأنها غايته الأهم، ولكنها آفة يجب محاربتها والقضاء عليها قبل أن تجعل من شبابنا وأجيالنا اللاحقة حاملين لفيروس الحقد والكراهية والتعصب الذي لم نجن منه غير الويلات والدمار.