بوتين في رئاسته الخامسة

قضايا عربية ودولية 2024/05/09
...

علي حسن الفواز

اختلفت صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رئاسته الخامسة عن ماهو  غامض في ذاكرة “الصور القديمة” فبدت أكثر وضوحاً، وتمثيلاً للرهان على المستقبل الصعب، فبقدر ما كانت طقوس التنصيب حاشدة بمظاهر دينية ودبلوماسية، إلّا أنها حملت معها رمزية القوة العسكرية والسياسية، فلم تغب عن البروتوكول التقليدي مظاهر الاستعراض، والإيحاء بخطاب القوة، وحضور الروح الآرثوذوكسية عبر التمثيل الكنسي في ساحة الكاتدرائية، حيث جعل منها الرئيس بوتين مناسبة لتأكيد الولاءات المركزية للكنيسة الشرقية، ولقوة النظام السياسي ولمؤسسته العسكرية، وللإطار الدبلوماسي الدولي عبر حضور ممثلين دبلوماسيين من بلدان أجنبية، فضلاً عن الاحتفاء الشعبي، عبر حضور جمهور كبير له دلالته في تأكيد رمزية الفوز الرئاسي والسياسي..
صورة الرئيس هي صورة تُحيل إلى فكرة “البطل” الذي جعل من تجديد رئاسته عنواناً لاستعادة روح القومية الروسية، عبر دلالة العلم الروسي، وعبر دلالة صورة الدستور الدالة على فكرة الشرعية، وهو ما تجسّد كذلك في سياق خطابه القومي، حيث كانت الرسالة واضحة، عبر تجسيد إشارة النصر في إطار العملية العسكرية في أوكرانيا، وعبر التأكيد على تعالق هذه العملية بالمسؤولية بما سيتحدد في المستقبل، بوصفه رهاناً وجودياً أكده بقوله: “ ستبقى مصالح روسيا أولوية قصوى، وستبقى خدمة روسيا هي هدفي الأعلى” فضلاً عن ترسيم الأهداف التي جعلها جزءاً من التحديات والأهداف والمصالح، مثلما هي جزء من التجاوز الذي جعله الرئيس عنواناً لمواجهة تلك التحديات، والبحث عن الأصدقاء الذين يمكن أن يشاركوا روسيا الجديدة أهدافها وخيارها الستراتيجي حول الأمن الدولي، وحول الشراكة- السياسية والأمنية والاقتصادية-  في مواجهة خيارات الحرب والعقوبات والعزل.
ما قاله الرئيس بوتين في خطاب التنصيب يضع العالم أمام صورة رئاسية جديدة، فرغم أنه أكد على الحوار حول الأمن الستراتيجي، فإنه أشار للعمل على إيجاد عالم متعدد الأقطاب، بوصفه الخيار العادل، الذي يكفل التوازن والشراكة، عبر ترسيخ “قواعد الندِّية وليس من منطلق الإملاء” كما ورد في خطابه، والذي يعني تسويق صورة الرئيس الطموح في استعادة هيبة روسيا، واستعادة الأراضي التي فقدتها “روسيا” في ظلّ تشكّلات النظام السوفيتي السابق مثل جزيرة القرم التي منحها الرئيس الأسبق خروشوف إلى أوكرانيا، وكذلك أراضي الدونباس، وهذا ماجعل الرئاسة الجديدة لـ”بوتين” خطوة باتجاه شرعنة تلك الاستعادات، وتأكيدها كحقوق سيادية وليست طوبوغرافية فقط.