علي حسن الفواز
لم تعد مخفية الجرائم التي تُرتكَب بحق الشعب الفلسطيني، ولم يعد العالم بعيداً عن كشف طبيعة تلك الجرائم، تاريخياً وأخلاقياً، فالكيان الصهيوني يعمل على تكريس الاحتيال على التاريخ، وتحويل الأسطورة إلى وجود ضاغط، تدعمه قوة الرأسمال الغربي، وأدلجة العقل السياسي الأمبراطوري، لكن ما جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على تأييد طلب فلسطين بالعضوية الكاملة فيها، يكشف عن حجم الاصطفاف الدولي، وعن ضآلة المشروع الصهيوني الذي يعمد إلى العنف والطرد والقضم المنهجي للأرض لفرض "نظرية" الاحتواء والتغييب.
حصول القرار الأممي على تأييد 143 مقابل 9 أعضاء وامتناع 25 دولة عن التصويت يؤشر مدى أهمية الضغط الدولي، ورغم أن هذا القرار له بعد رمزي في دلالته، لأنه سيواجه بموقف أميركي عبر الفيتو في حال طرحه في مجلس الأمن الدولي، إلّا أنه تحوّل إلى موقف يؤكد مدى أحقية الشعب الفلسطيني بالسيادة وبشرعية الدولة.
ربط الحق الفلسطيني التاريخي بـ"صناعة الإرهاب" كما تقول الدعاية الصهيونية، لم يمنع دول المنظمة من أن تصوّت على حق الدولة، وأن تُفسّر مشروعية المقاومة بأنه حق شرعي تكفله مواثيق الاأمم المتحدة ذاتها، بعيداً عن سياسات الضغط، والتأليب الأميركي والغربي في تعطيل إرادات كثير من الدول، ومنعها من أن تتخذ الموقف الأخلاقي والتاريخي، وهي ما جعلت كلمة المندوب الصهيوني تبدو وكأنها نوعاً من "الكوميديا السوداء" التي تُثير السخرية أكثر من أيّ شيء آخر.
يمكن لهذا الحدث أن يكون مقدمة لمسعىً طويل، ولرهانٍ على ضرورة تطبيق القانون الدولي وشرعيته، مثلما هو استطلاع لمعرفة توجهات الرأي العام العالمي، ففلسطين ليست وجوداً عابراً، بقدر ما هي تملك تاريخاً وذاكرة تحفل بها المدن والسيِر والأسفار، وأن الكيان الصهيوني بوصفه ليس إلا كياناً للشتات صنعته "دول الغرب" وكرَّسته عبر مركزية العقل الاستعماري الذي وجد فيه جزءاً من نظريته حول مفهوم الاستعمار ذاته.
التصويت الأممي أحرج الولايات المتحدة، ووضعها في لحظةِ تحدٍ مع العالم، ولعل ما صرَّحت به البعثة الأميركية في المنظمة الدولية يكشف عن "التسويف" في التعاطي مع هذا الخيار، إذ تربط فكرة "الطريق نحو إقامة دولة للشعب الفلسطيني بالتفاوض المباشر" وهو ما يعني تقديم الكثير من التنازلات عن الحق في السيادة وفي الأرض وفي الاستقلالية، كما أنها تكرّس موقفها عبر إجراءاتها العقابية إزاء مَنْ يُعطي للفلسطينيين أية شرعية سياسية أو ثقافية، فضلاً عن ضغط المرجعيات"الأيديولوجية العنصرية" التي تقف وراء سياساتها، وما جرى في مجلس الشيوخ الأميركي عبر طرح قرار يؤيد قطع التمويل عن أيّ "كيان يمنح حقوقاً وامتيازات للفلسطينيين" يكشف عن تلك المواقف المتطرفة التي لا تؤيد حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة.