علي رياح
ستشترك الشقيقة مصر بمائة وثلاثة وعشرين لاعباً في تسع عشرة فعالية رياضية فردية وجماعية في الدورة الأولمبية المقبلة التي ستقام في باريس الصيف المقبل، من بين ما يبلغ أحد عشر ألف رياضي ورياضية سيتنافسون على ما يزيد على ألف وسام منوع.
حرصتُ على الخوض في تفاصيل المشاركة المصرية ووجدت في الاختيار والتنويع في هذا الاختيار ميزة لا تستند إلى شعار (المشاركة لأجل المشاركة) وإنما (المشاركة بحثاً عن الإنجاز والتتويج). أجزمُ بأن ليس كل رياضي مشارك مصري سينال نصيباً من الأوسمة، غير أنني على يقين بأن الدولة الشقيقة ستدخل جدول الأوسمة، على غرار مشاركاتها السابقة على مدى قرن من الزمان.
استعنتُ بالنموذج المصري الذي خرج بستة أوسمة في النسخة الأولمبية السابقة في طوكيو قبل ثلاث سنوات، وعندي نماذج عربية أخرى حين يتعلّق الأمر بدول مثل قطر وتونس والمغرب والأردن والبحرين والسعودية والكويت وحتى سوريا التي نالت برغم ظروفها العصيبة وساماً برونزياً، وأظن أن معظم هذه الدول مؤهّلة لأن تضيف إلى رصيدها الأولمبي وربما ستشمل القائمة دولاً عربية أخرى.
هذا الانطباع الذي يترسّخ في كل مرة، يستند إلى (فلسفة التركيز) والتي دأبت كثيرٌ من دول العالم وبينها بعض الدول العربية على اعتمادها والعمل بموجبها وتسخير النصيب الأكبر من الإمكانيات لها، في مقابل النموذج العراقي المتهالك الذي نرثه منذ تأسيس اللجنة الأولمبية العراقية قبل (76) سنة.. نموذج يقضي بتوزيع الاهتمام والرعاية والدعم على عشرات من الرياضات من منطلق الترف أو المجاملة أو الفوضى في التخطيط، ليكون حصادنا الخيبة في كل مشاركة، حتى أننا كعراقيين صرنا نفرد مكانة للرباع الراحل عبد الوحد عزيز صاحب نحاسية دورة روما 1960.. وكلما جاءت دورة أولمبية، استعدنا اسمه واسترجعنا قصة وسامه ربما من باب التأسّي والعزاء وسط الخراب الذي نعيشه على صعيد حضورنا الأولمبي.
في طوكيو 2020، ظهرت (93) دولة على جدول الأوسمة ليس بينها العراق، ولم يكن أمراً غريباً، فمشاركاتنا غالباً تقوم على أساس البطاقات المجانية والتي تمنحها اللجنة الأولمبية الدولية دونما ترشيح أو تأهيل، إلى الدول الفقيرة رياضياً.. وفي هذه المرّة ستتجه الأنظار نحو الرياضي العراقي الوحيد الذي تأكّدت مشاركته بجدارة في باريس وهو الربّاع علي عمار يسر الذي انتزع تذكرة التأهيل بعد تألقه آسيوياً وعالمياً عبر أكثر من تحدٍ ومحطة وبطولة، فيما سيُشكّل المنتخب الكروي موضع أمل آخر لنا في عاصمة النور، ولا ندري على وجه التحديد كيف ستكون حظوظه وهل سيكون في وسعه المضي قدماً في الدورة ليبلغ تلك المرحلة المتقدمة التي كان عليها منتخبنا الأولمبي في أثينا قبل عشرين سنة.
وهكذا.. نقفُ مُجدداً أمام الحقيقة الصارخة الساطعة التي لا نجيد التعامل معها منذ عشرات السنين وهي فقر المشاركة، لأننا لا نتعاطى بجدية وهِمّة وصرامة مع (فلسفة التركيز) خصوصاً مع الألعاب الفردية التي لفظ بعضها أنفاسه وينازع البعض الآخر احتمالات التلاشي، وسنحتاج إلى المزيد والمزيد من الوقت والدروس والإخفاقات قبل أن ننبذ هذا التشتّت في التبنّي والرعاية والدعم بين رياضات لا توفر لنا وساماً وإنجازاً، وإنما توفر للقائمين عليها فرص السفر المُريح مع امتيازاته، إلى أصقاع مختلفة من هذه الدنيا.