المراقد المزيّفة والتجهيل المتعمّد

آراء 2024/05/14
...

 سالم مشكور

المراقد والوزارات الوهمية تتكاثر، والمزورون بدأوا باستخدام أساليب جديدة لمواجهة منكري هذه المراقد. على امتداد الأرض العراقية تجد مراقد وقبورا تحولت إلى مزارات تقدم لها النذور والهبات وتطلب من أصحابها، بدءا من حمل العاقر، وصولا إلى الزواج مرور بالنجاح في البكالوريا وغيرها. بعض الأسماء التي تنسب لها هذه القبور تثير الضحك، من قبل سميجة بنت الامام... والعلوية خضروات، واغلبهن بنات الحسن، حتى وصل عددهن في العراق إلى العشرات،

 فيما يؤكد المراجع الدينيون والتاريخيون أن الامام الحسن كانت له بنتان فقط، عاشتا وتوفيتا في المدينة. 

الامام الكاظم عليه السلام ينسب له الذكور من الأبناء فترى المراقد المنسوبة لهم كلها لفلان ابن الامام الكاظم، باستثناء مرقد حديث جرى افتتاحه في رمضان الماضي على الحدود العراقية الإيرانية نسبوه إلى بنتٍ للإمام الكاظم هذه المرة، اسموها «هيلة»، بعد أن كان المكان مجرد مخفر حدودي اشتهر ابّان الحرب مع ايران.

يقول الباحث الشيخ عباس شمس الدين في كتابه «المراقد المزيّفة»: «لقد بلغ الأمر في السنين الأخيرة من مهارة المزوِّرين مبلغًا خطيرًا، فقد تعاظم ذكاؤهم، وتخلوا عن السذاجة القديمة التي عُرفوا بها، فصاروا إذا أرادوا اختراع قبر من القبور الزائفة بحثوا في كتب الأنساب عن اسم فيها لا قبر له، ثُمَّ نسبوه إليه، وهم بذلك يشوِّشون على مُنكر القبر، مستغلِّين جهل الناس بأنَّ وجود اسم صحيح لا يدلُّ على وجود قبر  صحيح». 

تستوقف قارئ الكتاب هنا عبارة «مستغلين جهل الناس»، فالجهل هو الأرض الخصبة التي يستثمر فيها مؤسسو هذه المراقد، سواء كانوا مدفوعين بطمع كسب غير شرعي، أو ممن يجري تحريكهم من جهات مجهولة لا تريد الاستثمار في الجهل وحسب بل تريد ترسيخ هذا الجهل وتوسيع نطاقه والهاء الناس بأباطيل وأوهام.

هذه الجهات قد تكون خارجية أو داخلية أو كلاهما معا، كل لغايته الخاصة.

لم يتوقف الأمر عند المراقد المزيفة بل امتد إلى مزارات مصطنعة بدعوى أنها معجزات وكرامات من الأئمة. 

لم ننس بعد «قطارة الإمام علي» في صحراء قرب كربلاء.

كان يقصدها الزوار للتبرك على أنها عين ماء شرب منها الإمام علي عليه السلام عند توجهه إلى حرب صفّين، ليتبين بعد انهيارها انها أنبوب ماء مخبأ تحت الرمال يقطر منه الماء وليست عيناً للماء. 

الأخطر من ذلك عندما تبيَّن أن الموقع أعطي كاستثمار لأشخاص يجنون «النذورات» منه. أغلب هذه المراقد المزيفة تقوم على «أحلام» يدعي البعض أنه رأى فيها أحد الائمة أو أبناءهم يقولون إن فلانا مدفون هنا. 

بات يدعي هذه الإحلام كثير ممن حولوا منازلهم أو بساتينهم إلى مراقد ومزارات للارتزاق، ووسط حالة الجهل الذي يحرص أكثر من طرف على ترسيخه، تلقى هذه الادعاءات تجاوباً من الشارع.

هذه المراقد تحظى- اذا ما جرى تسجيلها- بوظائف رسمية للعاملين فيها مع رواتب وتقاعد دون أي عمل يذكر.

لا أحد يتحرك لوقف هذا التوسع في التزوير والخرافة، الذي بات جزءاً من العقيدة، يتعرض من يحاول المساس بها إلى شتى الاتهامات، فضلا عن الخطر. 

فالحكومة لا تتحرك معتبرة الامر شأناً دينيا تتحمل مسؤوليته مؤسسات دينية مثل المرجعيات أو الوقف، والأخيرة لا تتحرك خوفا من ردة فعل من وراء هذه الظاهرة، وأساساً، فان المرجعيات لا تملك قوة تنفيذ لتمنع هذه المظاهر، باستثناء الإفصاح عن عدم صحة هذه المراقد، وهذا يكفي لتتخذ منه الأجهزة القضائية والأمنية ذريعة للتدخل.

يقال إن الحالة معقدة بعدما دخلت على الخط أوساط عشارية وأخرى مجهولة الدعم. 

المريب أن بعض الجهات الدينية منعت تداول كتاب « المراقد المزيّفة»، مبررة ذلك بأنه مساس بعقائد الناس، وعندما يجادلهم أحدهم بحقيقة المزيف من هذه المراقد يجيبون « دعوا الناس على غفلتهم». 

جواب يثير أكثر من سؤال ربما أهونها: لماذا أرسل الله رسله إلى البشر لتوعيتهم وهدايتهم إلى الطريق القويم، ولم يتركهم على  غفلتهم؟.