استذكار من نوع آخر

الرياضة 2024/05/14
...

خالد جاسم
*يحضرني قول ميخائيل نعيمة، المفكر اللبناني الشهير: (لكي يستطيع الكاتب أن يكتب والناشر أن ينشر، فلابد من أمة تقرأ، ولكي تكون لنا أمةٌ تقرأ لابد من حكام يقرؤون) .. فكيف لمن لا يقرأ أن يرعى الإرث الإبداعي لأمته، أو يحافظ على أصحاب الفكر كما يحمي المعالم الوطنية، ويحتفي بميلاد كاتب احتفاءه باكتشاف منجم، أو ثروة طبيعية؟.

 كان ستالين، والنازيون على أبواب موسكو، ينادي الشعب الروسي عبر المذياع للمقاومة، صائحا لشحذ الهمم: ( دافعوا عن وطن بوشكين وتولستوي)، ذلك أن الأوطان تنسب لكتابها كما تنسب لقادتها، فرنسا بلد فيكتور هيغو، كما هي بلد نابليون، وبريطانيا بلد شكسبير، وروسيا موطن بوشكين، وداغستان ما كان العالم ليسمع بها لولا رسول حمزاتوف، ولولا ماركيز ما عرف العالم كولومبيا، وألمانيا ما فتئت تحرص على الانتساب لنيتشه وغوته، لتغطي بعبقريتهما على زمن كانت تنسب فيه لهتلر، ذلك أن أمة تنسب للقتلة لا لمبدعيها، لا مكان لها في وجدان البشرية، ولن يحترمها التاريخ. لست هنا في موضع المنظر أو المتفلسف بقدر هدفي التطرق إلى موضوع أراه في غاية الحيوية، ولا أقول الأهمية، وهو العلاقة بين المسؤول والكاتب، ليس بشخصه بل بنتاجه الصحفي، لا سيما إذا كانت الكتابة تبتغي الصالح العام وليس إرضاء المسؤول ودغدغة عواطفه ومحاولة تزلفه لتحقيق غاية ما، والمؤسف أن معظم ولا أقول جميع المسؤولين أو من تنطبق صفة المسؤول عليهم في رياضتنا لا يقرؤون .. لا أعني هنا قراءة الكتب والبحوث والدراسات التي تسهم في توسعة آفاقهم وتنير المسالك أمامهم، من أجل تطوير واقع أداء مؤسساتهم الرياضية، مع أن مثل تلك القراءة مهمة ومطلوبة، إذا كان المسؤول حريصا فعلا على الكيان الرياضي المسؤول عنه، ويبحث عن كل السبل المؤدية إلى النهوض والارتقاء بواقع أداء مؤسسته الرياضية، لكن أعني هنا ما تكتبه الصحافة الرياضية وتحديدا ما يكتب من مقالات وتقارير وتحقيقات وغيرها من صنوف الكتابة، التي تميط اللثام عن حقائق وممارسات خاطئة أو تكشف عن عيوب ومواطن خلل في هذا المفصل أو ذاك، وتدخل في نطاق النقد الهادف الذي يبتغي الإصلاح وليس الاستهداف الشخصي أو التسقيط المعلن أو المبطن، ويخطئ المسؤول إذا اعتقد أو صور له من حوله أن يعطي ما يكتب أو ما يقال الأذن الطرشاء، وأن ما ينشر ليس سوى ( كلام جرايد ) لا يغني ولا يسمن من جوع، وهذا التصور للأسف نراه حاضرا بل صار جزءا من فلسفة السلطة وسلوك القيادة لدى معظم العناوين المسؤولة في الواقع الرياضي الذي تتفاقم فيه الأخطاء وتتراجع معدلات الأداء وتتهاوى النتائج، نتيجة غياب الرؤى الصحيحة في العمل وافتقاد بعض أصحاب الكراسي والعناوين إلى البوصلة الصادقة التي تؤشر لهم الاتجاهات السليمة، والصحافة وما تتناوله من كتابات هادفة وإصلاحية هي الجزء الأكثر حيوية في تلك البوصلة، لكن تبقى مشكلة المسؤول الرياضي عندنا أنه لا يقرأ، ويكتفي أحيانا بما يوصله له بعض المنافقين عما يكتب بطريقة منافية لما كتب أصلا، وهذه أيضا ثيمة سلبية تحسب على المسؤول ذاته، مع أن بعضا من طراز المسؤولين لا يقرؤون، وإذا صادف أن قرأ أحدهم فربما لا يفهم ما كتب، وإذا صادف أنه فهم، فلن يكتب لما فهمه التنفيذ أو التطبيق على أرض الواقع .. وهنا تسكب العبرات .