دعوات لتطوير العمل في ردهات الطوارئ والعيادات الخاصة

ريبورتاج 2024/05/15
...

 علي غني

أكتب هذا الموضوع بقلم الناس وبقلوب يملؤها أسى وعيون دامعة وأموال مهدورة، باكيا على عباقرة الطب في العراق، الذين غيبهم الموت والمهجر، والا لماذا غاب التشخيص عن أغلب الاطباء عن حالة مرضية، يمكن اكتشافها من دون المفراس أو الرنين أو السونار؟، لو كان الطبيب ذكيا في تشخيص المريض، فهل تحدث ظاهرة غياب التشخيص المبكر؟!، فعندما يغيب التشخيص يختفي الحل ويبقى المريض بين الموت والحياة، فماذا يحدث في العيادات الخاصة وردهات الطوارئ.
معلِّمة تتعذب
القصة التي سأرويها لكم، لامرأة في التاسعة والأربعين من العمر اسمها (يسرى شنشول)، داهمها ألم بنحو مفاجئ في المدرسة كونها معلمة، فسقطت مغشية عليها، وتم نقلها من قبل زميلاتها إلى بيتها، ولم يكن خيار أهلها إلا الذهاب لطوارئ (أحد المستشفيات الحكومية/ لم نذكرها لان العديد من ردهات الطوارئ في بغداد والمحافظات تشترك بالسلبيات نفسها)، وعندما وصلت للطوارئ، والحق يقال إن الإطباء الممارسين والمقيمين، لم يقصروا في الكشف عليها ودراسة حالتها واجراء الفحوصات اللازمة، لكن لم يستطع أحدٌ منهم اكتشاف المرض، وهنا تكمن الكارثة، ردهات الطوارئ تخلّت من أهل الاختصاص الخبراء بالطب، فأكثرهم من الشباب حتى الاختصاص الذين عرضت عليه الحالة المرضية المزودة بالتقارير الطبية، لم يستطيعوا اخبارنا بحالتها، وهناك حقائق صادمة، فأطباء الطوارئ ليست لديهم الخبرة الكافية بالإيعاز إلى الجهات المختصة لإدخال المريض من أ جل الرقود في ردهات المستشفى، بل يفضل اغلبهم كتابة العلاج له وإخراجه، لازدحام ردهات الطوارئ ليلا، سيما مستشفيات العاصمة بغداد بالإصابات، ففضلت ان اخرج مريضي من المستشفى الحكومي (والكلام لزوج المريضة يسرى) للذهاب إلى عيادات الإطباء الخاصة في منطقة الحارثية، وما أدراك ما الحارثية، فأبقوا معي لتعرفوا ماذا حدث لي في الحارثية.

استغلال المرضى
يقول زوج المريضة يسرى: ذهبت بزوجتي للدكتورة المختصة بالسونار، والحق أن الدكتورة كانت ماهرة بفحصها للمريضة وأنجزت التقرير بدقة، لكن الملفت للنظر أنها اشارت للمريضة أن تأخذ أشعة لبطنها، على الرغم من انها لم تحتجها فالسونار يكفي وعندما سألتها، قالت للتأكد (مبلغ السونار والأشعة 65 الف دينار)، ولن تكتفي طبيبة السونار الدكتور (ف) بالأشعة، بل أشارت للمريضة بالذهاب إلى الدكتور الفلاني لإكمال الفحص، فسلمنا أمرنا إلى الله، لأن مريضتي قد اغمي عليها من الالم وهي تصرخ طوال الطريق للذهاب للدكتور (ع)، الذي ما أنا وصلنا مكان عيادته حتى طلب من مريضتي فحص (الناظور)، فقلنا له، دكتورنا العزيز انها لن تحتاج فحص الناظور، لأن الألم قريب من منطقة الظهر، وهي تشرح له الحالة، ولديها السونار والأشعة، فأصرَّ الدكتور على الناظور، وعندما رفضنا ذلك، فرض علينا اجراء تحليلات مرضية بمبلغ (35 الف دينار)، وبعدها سجل لنا الدواء وخرج من عيادته، دون أن ينتظر التحليل الذي طلبه، ودون أن يحدد المرض، وترك مريضتي تتألم وخرج من العيادة (هكذا وصل الطمع عند الانسان الطبيب في العراق)، وعدت إلى بيتي وأبكت حالة زوجتي الأولاد، وبكينا كلنا على حالتها التي تتفطر له القلوب لشدة الألم".

عيادات مزدحمة
وتابع زوج المريضة (يسرى) حديثه: في الصباح الباكر اتصلت بالدكتور (ل) المختص بالمفاصل والكسور، وهو طبيب مشهور ويرتاد عيادته الآلاف من المرضى ومن عموم العراق، فقلت مع نفسي إن ألم زوجتي سيزول عند عبقرية هذا الطبيب، فحقق السكرتير هدفنا بالحجز، لكن الذي حدث امر مؤلم، مريضتي لا تستطيع الجلوس او الوقوف والعيادة في الطابق الثاني، وهي لا تستطيع الصعود للطابق الثاني إلا بتوافر (سدية)، لأنها لا تستطيع الوقوف او الجلوس، واكتشفت أن العيادة المتخصصة بالمفاصل والكسور تفتقد (للسدية)، وهنا تكمن (المصيبة الكبرى)، ولم تنفع توسلاتي أن أقنع السكرتير بالدخول مباشرة إلى الطبيب، وانتظرت إلى أن وصلني الدور (السرة)، فعندما شرحت المريضة حالتها وشدة الألم الذي يعتريها، أمر الدكتور (ل) بالذهاب لأخذ الأشعة والسونار لجلبها له من أجل تشخيص حالتها، وازداد بكاؤها وألمها، لأن الرنين يبعد عن العيادة بمسافة كبيرة، فضلا عن ازدحام عيادة الرنين، وأن الدكتور المختص قد فرض علينا من مكان محدد لجلب تقرير الرنين، وقلنا هذه اجراءات الدكتور فعلينا الامتثال لها، وعندما أكملنا جميع الفحوصات، كتب لنا الدواء، فقلت له دكتورنا العزيز ما تشخيص حالتها، فقال لي  الأمر بسيط، فهناك التهاب في الفقرات لكنه غير مؤثر، فقلت له، هل سيذهب الألم منها، فأجاب: نعم".
تفاءلت وقلت وصلت إلى النهاية، لكن الالم تفاقم على زوجتي، وعندما عرضت التقارير على أطباء اخرين وصيادلة واصحاب الاختصاص، كلهم اتفقوا على أن اصابتها بانزلاق حاد بالفقرات، فصدمت، لماذا لم يستطع هذا الطبيب، الذي يعد من الأطباء المشهورين بالمفاصل والكسور، أن يكتشف الحالة، وقال لي إنه انزلاق بسيط؟ ولماذا الألم يأكل زوجتي لحد الان، (150 ألف مبلغ الرنين،60 ألف مبلغ الأشعة الثلاثية الأبعاد، 35 ألف كشفية الطبيب، 70 ألف مبلغ الدواء، 25 ألف اجور النقل)، كل هذه الاموال لم تخفف عن زوجتي ألمها".

جشع الأطباء
واعود لزميلتي (آلاء) وهي تشرح لي حالة وفاة أمها في الطوارئ، وكذلك صديقي اياد الهاشمي الذي توفيت والدته في الطوارئ أيضا، والأسباب تعود أغلبها إلى سرعة التشخيص، الذي يؤدي بالنهاية لفشل اجراءات نقل المريض إلى ردهات المستشفى، وقلة الخبرة لدى أطباء الطوارئ في اغلب المستشفيات الحكومية العراقية، وغياب الأطباء الاختصاص من كل الصنوف، وفوضى الاجراءات وعدم تقديم الحوافز للأطباء والممرضين والدورات التطويرية، سواء خارج العراق أو داخله، لا سيما أطباء ردهات الطوارئ".

كلام غير صحيح
وحتى يكون هناك علمٌ عند الجهات الحكومية، اتصلت بالدكتور سيف البدر  المتحدث باسم وزارة الصحة بعد أن قدمت تعريفا عن شخصي، فقلت له نلاحظ العديد من الاعتداءات على الملاك الطبي، وفقدان ردهات الطوارئ لأصحاب الخبرة من الاطباء واقتصارها على الممارسين، وقلة بعض الادوية المهمة، وطلبت منه بعض الاحصاءات عن الحوادث، وهل هناك خطط لدى الوزارة بزيادة ردهات الطوارئ، لكن استغربت اشد الاستغراب من الدكتور سيف البدر الذي نكن له الاحترام، لكنه امتنع عن الإجابة، رغم أن المؤسسة الإعلامية التي امثل عنها هي شبكة الاعلام العراقي وجريدة الصباح، التي تمثل الصحيفة الرسمية في البلد، وهو مسؤول عن الإجابة عن جميع الأسئلة، التي من واجبها خدمة المواطن العراقي، فضلا عن حرية الصحفي في حق اكتسابه المعلومة".

أطباء شرفاء
نعم اتفق معك واستغرب من ذلك عدة مرات (والكلام للأستاذ ستار السامر/ رئيس المرصد الطبي العراقي/ وهو مرصد يقيِّم العمل الطبي والصحي في العراق، ويعمل بالشراكة المستدامة مع المجموعة الطبية العراقية والمنظمات الصحية العالمية): نحن في المرصد الطبي ناشدنا وقلنا لم يتواجد الطبيب المختص الا في أوقات معينة، وخاصة في ليل طوارئ المستشفيات تستقبل كثيرا من مراجعين، مما يتطلب تواجد الأطباء الاختصاص، إلا أننا نجد تواجد الأطباء المقيمين والمتخرجين الجدد، ولهذا تجده (وأعني الطبيب المقيم)، يرسل المريض  إلى أكثر من جهة مثل الأشعة والسونار وذلك لقلة الخبرة في التشخيص، لعل الأمر مقصود من تواجد الاطباء حديثي التخرج للتعلم وكسب الخبرة، للأسف يحدث هذا على حساب جراحات المرضى".
وتابع (السامر): مثلما هناك اطباء شرفاء اصحاب غيرة ويتميزون بخبرة وعلميّة كبيرة، وهذا ما اثبت على المستوى العالمي أن الطبيب العراقي طبيب مبدع ومتميز في كل المحافل الدولية، وأذكر في المؤتمر العالمي الاخير، الذي أقيم في فرنسا قال وزير الصحة البريطاني لولا الكوادر الطبية العراقية، لانهار النظام الصحي في بريطانيا، اما في العراق نجد بعض الاطباء وهم القلة القليلة يتعامل بهكذا أمور".
ونوه بأننا نلاحظ هناك تطورا ملموسا في العيادات الخاصة، لا سيما في البنايات الحديثة، الا أن البنايات القديمة تفتقر للشروط الصحية وقلة الخدمات".

اقتراحات وحلول
إن مئات المرضى تنتكس حالاتهم بل ويفقدون حياتهم جراء التشخيص غير المبكر يوميا، مما يؤدي إلى تفاقم المرض واستبدال المرضى لأطبائهم، كما أن جشع بعض الاطباء قد أفقد الحالة الإنسانية للطب بنحو عام، فضلا عن عدم كفاءة الدواء المتوافر في العراق، وضعف الرقابة من قبل النقابات المختصة، مما أدى إلى هذا الخلل الواضح، كما أن عدم كتابة التخصص الدقيق للأطباء يسهم في خلق طبقة من الاطباء تشوش على الأطباء اصحاب التخصص الدقيق الحقيقيين، فاني أدعو وزارة الصحة، قبل أن يقرأ الناس على كليات الطب السلام في العراق أن تزيد من فرقها التفتيشية، وتكتشف طرقا جديدة للمراقبة بالتعاون مع  نقابتي الأطباء والصيادلة، في مراقبة الأطباء وشركات الدواء، والا فإني أقول أيها الناس قاطعوا المستشفيات والاطباء والصيدليات، وموتوا في
بيوتكم!.