محمد شريف أبو ميسم
بمقال سابق في جريدة الصباح الغراء حمل عنوان «قمع واعتقالات بجوار تمثال الحرية»، تحدثنا عن وهم الديموقراطية في الدولة التي تقودها سلطة الرساميل، وتحدثنا عمَّا أخبرنا به تاريخ الرأسمالية العالمية من انتهاكات لحقوق العمال والملونين والمرأة، وصولا لانتهاك حق التظاهر في الجامعات الأمريكية هذه الأيام ضد الشباب الذين يطالبون بوقف المجازر التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة.
وقدمنا بما لا يقبل اللبس الأدلة القاطعة على وهم الديموقراطية، وحقوق الانسان في التشكيلات الرأسمالية عندما تتقاطع مفاهيم الحريات مع مصالح الرساميل، الأمر الذي يؤكد أن الديموقراطية وضمان الحريات مجرد علامات تجارية لتسويق التواجد الرأسمالي في الدول، التي يراد لها أن تكون تابعة لسلطة هذه الرساميل، والتي عانت من الدكتاتوريات إبان الحرب الباردة بفعل الدعم الذي حصلت عليه الحكومات المستبدة، وهي تمارس وظيفة قمع حركات التحرر اليسارية المطالبة بحقوق العمال وشغيلة اليد والفكر والمهمشين في تلك الحقبة الزمنية.
اليوم يؤكد تحالف الرساميل الماسونية الذي يشكل عمق «طائفة الواحد بالمئة» التي تحكم العالم، أن المحكمة الجنائية الدولية ما هي إلا محكمة وظيفتها تنفيذ أوامر سلطة الرساميل، وبخلاف ذلك لا إرادة ولا استقلالية لهذه المحكمة عن سلطة تحالف الشركات التي تحكم العالم ومن خلفها الدولة العميقة.
فبعد التسريبات التي تحدثت عن قرب إصدار مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال «بنيامين نتنياهو»، ووزير دفاعه «يوآف غالانت» ورئيس أركان جيش دولة الاحتلال «هرتسي هاليفي» على خلفية الاتهامات الموجهة إلى دولة الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، كشّرت الدولة العميقة عن أنيابها، عبر رسالة وجهها أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي للمدعي العام في المحكمة الجنائية وتوعدوه بمواجهة عقوبات ثقيلة إذا ما أقدم على ذلك. وتضمنت الرسالة التي نشرها موقع الجزيرة دوت نت «أنه في حال إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ومسؤولين آخرين في دولة الاحتلال، فإن الخطوة ستعتبر تهديدا ليس فقط لسيادة (اسرائيل)، ولكن لسيادة الولايات المتحدة أيضا، مما ستترتب عليه عقوبات ثقيلة وفق
الرسالة.
فيما يستعد موظفو الدولة العميقة في الكونغرس الأمريكي لإعداد مسودة قانون يفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيقات، بحق الولايات المتحدة وحلفائها، على حد تعبير رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس النواب الأمريكي مايكل ماككول، وهذا هو الوجه الحقيقي للديموقراطية الرأسمالية التي سجلت بوصفها علامة تجارية تسوّق في مواسم صناعة الأزمات إلى الدول، التي تقع تحت إرادة مؤسسات الدولة
العميقة.