وحيدة خليل.. واحدة من ابرز مطربات الاذاعة والتلفزيون منذ الخمسينيات، حتى رحيلها اواسط
1991 .
فهي واحدة من ثلاثة اصوات نسائية عراقية يطلق عليهن مطربات ريفيات محترفات، لهن شهرة واسعة ومحبة وتعاطف عارم من طبقات الشعب التي كانت تذوب وتعشق اغانيهن العذبة الشجية.. ،وهن زهور حسين، ووحيدة خليل، ولميعة توفيق..
فوحيدة خليل واسمها الحقيقي مريم عبد جمعة، من مواليد البصرة مطلع العشرينيات، القرن الماضي انجذبت للغناء الشعبي، في مدينتها.. البصرة، وهي بعمر الثماني سنوات..
وحسب روايتها في حوار صحفي سابق، سحرها غناء واداء وموسيقى فرق الخشابة المنتشرة وقتذاك في البصرة وضواحيها، وحفظت معظم اغاني تلك الفرق واخذت ترددها في بيتها، مقتنية طبلة فخارية صغيرة “دنبك” تتدرب عليها!
وحفظت اغاني ام كلثوم واسمهان وليلى مراد..ناهيك عن اغاني المطربين العراقيين المعروفين في الثلاثينيات والأربعينيات أمثال داخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم ومسعود العمارتلي “مسعودة” وغيرهم..
وفي احدى المرات وهي في عمر صغير رافقت عائلتها في احد الاعياد للتنزه في الاثل القريبة من مركز البصرة وهي منطقة سياحية وترفيهية خضراء مزروعة بنبات الاثل تؤمها العوائل البصرية لقضاء سويعات فيها وبعيدا عن اعين الرجال والمتطفلين وفي جو فرح وانسجام غنت وحيدة واحدة من اشهر اغاني ام كلثوم “انا بانتظارك..انا” وابدعت واجادت فيها واطربت السامعين لها ومن دون ان تعلم فقد تجمع حشد من الرجال المتنزهين والمتطفلين في مكان بعيد، نوعاً ما عن تجمع العوائل.. وبعد ان انهت وحيدة خليل اداء تلك الاغنية الرائعة اداءً شجيا وساحرا.. دفع باحد المعجبين الى ان يصيح باعلى صوته: “الله..الله..عليك يا ام كلثوم البصرة..!” عندها شعرت وحيدة الصغيرة بالخجل والحرج ما اضطرها لتخفي نفسها بعباءة امها..!
هذا الموقف وغيره من المواقف وبعد ان اشتد عودها يممت وجهها الى العاصمة بغداد وتحديدا الى دار الاذاعة اللاسلكية في بغداد في الخمسينيات.. ولتتوفر لها الفرصة الواسعة لان تزامل رموز الغناء الريفي العراقي والملحنين الذين كان من ابرزهم ناظم نعيم، وغيره امثال محمد نوشي وعباس جميل، الذين عرفوا كيفية الاستفادة من خامات صوت وحيدة خليل المميز.. وهكذا ولدت تلك الروائع الغنائية التي مازال صداها يتردد في ذاكرة الزمن، ولا يخبو سحرها ولا تموت عذوبتها:
انه وخلي تسامرنه وحجينه
نزهه والبدر شاهد علينه
والعذيبي تنسم
عبير الورد يشتم
انه وخلي..انه وخلي تسامرنه وحجينه...
او..
عليمن ياكلب كلب تعتب عليمن..؟
او
حرت والله بزماني ياصحبتي..
احير بولفي لو احير بغربتي..
اغان عذبة معبرة جادت بها قرائح شعراء اغاني ايام زمان امثال: ابراهيم وفي واسماعيل جودت وجبوري النجار وسيف الدين ولائي وغيرهم..
فقد اخبرني المرحوم الشاعر والباحث في الغناء الريفي جميل مشاري وهو من البصرة وعمل لسنوات طويلة في اذاعة بغداد انه كان يتردد على المطربة وحيدة خليل.. ام حكمت، وهذه كنيتها التي كانت تحب ان تنادى بها.. اخبرني ان وحيدة كانت ذواقة للنصوص التي تعرض عليها وتتداول مع شعرائها قبل نسج أية أغنية جديدة لها في الاذاعة.. وكانت صارمة في ذلك.. لذلك كانت اغانيها مؤثرة وراسخة في اذهان الناس.