علي لفتة سعيد
لم تكن جريدة «الصباح» تمتلك وجودها لولا الأقلام التي كتبت فيها وإليها، منذ أول صدروها بعد عام 2003، لتكون هي العنوان الأبرز الذي يشير إلى التغيير الجديد، الذي شهده العراق، سواء الذي أطلقنا عليه الاحتلال الأمريكي أو الذي يطلق عليه عام التغيير. فالجريدة واسمها هي الدليل على دلالة ما حصل، بعد أن كانت الصحف التي تصدر قبل هذا التاريخ، لها نهجٌ واحدٌ وانتماءٌ واحد. «الصباح» التي كتبت إليها منذ السنة الأولى، صرت أكتب فيها حين عملت مراسلًا من مطلع عام 2004 حتى إحالتي على التقاعد مجبرًا لبلوغي السن القانونية، فإنها كانت تشكّل لي قائمةً من النوع الذي يضيء الحرف، كلّما نشرت فيها.
ولأني أعمل مراسلًا فإنها كانت تمنحني حرية الاختيار في النشر، إن كانت أخبارًا سياسيةً أم ثقافيةً أم تحقيقات وحتى عروض كتبٍ ونصوصًا ثقافية.
ولهذا فـ»الصباح» لا تمثّل لي ركنًا من أركان العمل الاعلامي الجديد فحسب، بل هي حجر الزاوية الذي أراه في عالم الصحافة، سواء اتفقنا على تبعتيها أم اختلفنا، فإنها على الأقل بالنسبة للمهمة الصحافية الكبرى، لم تزل تحرّك الواقع الثقافي، وتثير كوامن الوعي، وتزيد من غلّة القراءة، وهي التي كانت تتنقل بين أيدي القرّاء، وأنا اجري الاستطلاعات عنها لتكون هي بوّابة الحقيقة والصدق في أخبارها التي أنا شاهدٌ عليها، رغم أن هناك من يعتقد بوجود اتجاهٍ آخر في دعم الحكومة، مثلا، وكنت أقول في المناقشات الكثيرة إن الصحافة لها دائما مرجعيات مهما كان التوجّه العام لها. فالكلمة لا تفلت من قبضة الدعم، والدعم لا يفلت من مسكة يد الداعم، لكن الداعم هنا هو الدولة، فتكون القبضة ليست قوية، بل هي التي تقول اكتبوا حيث تشاؤون. ولأني شاهدٌ من وسطها، لا يمكن أن أنكر الذين عملوا فيها، من أعدادها الأولى، سواء في هيئات التحرير أو الأقسام المتوزّعة على أركان الجريدة، فإن الجميع كان يهمه نجاح العمل، وإن اختلفت السبل. لكنها كانت تسير بخطٍ متوازٍ، وإن أراده البعض غير مستقيم، لكنها اجتهدت لتبقى مستقيمة في العمل المضني، كونها الجريدة الأكثر عددًا في الصفحات، والأكثر عددًا في النسخ توزيعًا، والأقرب لصناع القرار العراقي.
الصباح التي تبدأ مع الصباح إلى الصباح، شعرت وأنا بعيدٌ عنها، كوني مراسلًا وليس عاملًا في وسطها الوظيفي اليومي، لكنها كانت تحاول ألّا لترضخ لمن يدقّ الاسفين، وإن اختلفت المرامي، ولا تبيح المحظور وإن تنوّعت الجهات، ولا ترسم الشكوك وإن تنابزت الأقلام، ولا تعطي فسحة للريح، رغم الأبواب المشرعة للصيد. وهي رغم كل هذا لا تخلو من كل ما ذكر، لأن الأمر طبيعيّ في دوائر الدولة. الصباح التي تمنيّت أن تكون مؤسّسةً لوحدها (مؤسسة الصباح) وأن تكون شبيهة بمؤسسة الأهرام المصرية. وأن تكون جريدةً ومجلّة وطباعةً وإصدارًا ورقيًا وحتى فضائية خاصة بها (فضائية الصباح)، وعسى أن يكون الأمر حاصلا في المستقبل، ليس لأن شبكة الإعلام العراقي غير مهنية، لكن حتى يتطوّر العمل الجدّي، تكون بالاستقلالية الكبيرة.
سلام لـ»الصباح» يوم انوجدت كعلامةٍ للصحافة، ويوم واصلت رغم كلّ الصعاب، ويوم تستمر لتكون المرآة في الوعي.
فالصحافة ليست أخبارّا سياسية ونقل اقوال السياسيين، بل ثقافة، وهو ما تسعى اليه «الصباح».