حالاتٌ كثيرة قتلَ فيها الزوجُ زوجته لأنه يشكُّ فيها، ومثلها كثيرة قتلت فيها الزوجة زوجها لأنها تشك فيه، وكشف التحقيق أنَّ الكثير من هذه الحالات ما كان فيها الزوج قد خان زوجته، ولا الزوجة قد خانت زوجها، وعزا السبب الى أوهامٍ أو شكٍ غير صحيح.
وعلمياً، تدخلُ هذه الظاهرة في اختصاصنا نحن علماء النفس ونصطلح على تسميتها (البارنويا)، وبالعربي (الشك المرضي)؛ خلاصتها العلميَّة أنها شكلٌ مضطربٌ من التفكير، يسيطرٌ عليه نوعٌ شديدٌ وغير منطقي (أو غير عقلاني) من الشك وعدم الثقة بالناس، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على أنها تهديدٌ مقصودٌ أو مهين.
ويؤكد خبراء اجتماعيون أنَّ «فيروس» الشك المرضي من أخطر الفيروسات التي تصيبُ جسدَ العلاقة الزوجيَّة، وتهدده “بالموت”، وجزموا بأنَّ عدواه التي قد تنتقلُ إلى الأبناء، هي أحد أسباب زيادة فرص الخلافات ونسب الطلاق.
ذلك أنَّ الأشخاص المصابين بـ(الشك المرضي) يميلون دائماً إلى أنْ يكونوا محترسين وكتومين وحذرين، ويبحثون بشكلٍ مستمرٍ عن أدلة أو معلوماتٍ تشير إلى وجود نوايا سيئة ضدهم. فالزوجة المصابة بهذا الشك تشمُّ قميصَ زوجها حين يعود الى البيت، وتدققُ النظرَ في سترته بحثاً عن (شعرة) من رأس امرأة ، فضلاً عن التنصت خلسة على مكالماته عبر الموبايل، والشيء نفسه يفعله الزوجُ الذي يشكُّ بزوجته، وقد يكلفُ من تراقبها وتتابعها حين تخرج من البيت.
وبحتميَّة سايكولوجيَّة يدفعُ هذا الشك الخبيث الى القتل، قتل شريك الحياة!. ولا تستغربوا، فالمصاب بـ(البارانويا) يقتل أعزَّ ناسه، فلدى عملي بمسشفى (الشماعية) جاءنا شابٌ في الثلاثينيات حاصلٌ على شهادة بكالوريوس كان قد قتل أمَّه لأنه يشكُّ فيها أنها تضع السم في طعامه.
وقد تسأل: كيف أعرف أنَّني مريض بالشك؟
ونجيبك: إذا كانت مشاعرك باردة، وتعاني من صعوبة إقامة علاقات شخصيَّة بالآخرين، وغير قادرٍ على معرفة أخطائك وتعتقدُ أنَّك دائماً على صواب، وأنتَ الصحُّ والآخر غلط، وتحبُّ كثرة الجدال، وتعاند دائماً، ولا تستطيع الاسترخاء والهدوء، فتلك مؤشرات تقول لك إنك مصابٌ بالشك المرضي.
وتعود تسأل: وما أسباب الشكّ عند الزوج؟
فنجيبك: إنَّ سببه الرئيس هو انعدام الشعور بالأمن، فالزوج الشكاك يعتقد أنَّ ارتباط زوجته بالآخرين قد يوتر العلاقة بينهما، لذلك يراقب اتصالاتها بالآخرين ليحكم السيطرة عليها وعليهم.
والشيء نفسه يحصل للزوجات، فالكثير منهنّ تعاني من شك أزواجهن، وتلصصهم الدائم عليهنَّ، إذ يلجأ البعض منهم إلى عدّ الأنفاس على زوجاتهم، الأمر الذي يثيرُ حفيظتهنَّ، ويجعل الطرفين دائمي الشجار، لتتحول الحياة الأسريَّة إلى جحيمٍ لا يطاق، الأمر الذي قد ينتهي إما بارتكاب الزوج لبعض الحماقات، أو طلب الزوجة الانفصال.
وعليكما (الزوج والزوجة) أنْ تفرّقا بين الشك والغيرة، فالغيرة وجهٌ من وجوه الحُب، وعلامة من علاماته، وهي مطلوبة ولكنْ بحدود، ولكنْ قد تتحول الغيرة إلى شكٍ في حال زيادتها عن الحدود الطبيعيَّة لأنها في (أفضل) حالاتها تعجلُ بانهيار الحياة الزوجيَّة، وفي أسوئها يكون القتل.
أخيراً، انتبهي سيدتي الى أنَّ المرأة هي من تدفع زوجها للشك فيها، وذلك حين تخرج من المنزل من دون إخباره، أو تتأخر بعد انتهاء فترة العمل، أو تتمادى في استخدام وسائل الاتصال أو الإنترنت بدون رضا وموافقة الزوج.
واعلم، عزيزي الزوج، أنَّ المرأة تكره الرجل الشكاك، فهي لا تستطيع أنْ تعيشَ حياة السجين المراقب على مدار اليوم بكاميراتك الخفيَّة التي ترصدُ كلَّ حركة من حركاتها، وتفسرُ كل كلمة تتلفظ بها. وأنَّ المرأة على الرغم من تحمّلها لبعض التصرفات السيئة التي تصدرُ من الزوج، إلا أنها لا تستطيع تحمل أنْ تُجرحَ حين تُطعن بكرامتها وعفتها، وحين تشعر أنها ليست محلَّ ثقة.
وانتبه أيضاً الى أنَّك أنتَ الذي تدفعُ زوجتك للشك فيك، حين تتحدث همساً في الموبايل، أو حين (تكشخ وتحط عطر) وتخرج خلسة أو بوجهٍ يقول لغة غير اللغة التي يقولها لسانك.
واعلما، كليكما، أنَّ الصراحة هي الطريق الأمثل لحياة زوجيَّة مستقرة سعيدة، وهي (الفيروس) الحميد الذي ينقلها لأولادكم وبناتكم، ويتباهون بكم يوم
يتزوجون.