21 سنة من « الصباح »

العراق 2024/05/16
...

أحمد عبد الحسين



غداً يصادف ذكرى تأسيس بيتنا "الصباح".

تاريخ جريدتنا يصلح أن يكون مختصراً لتاريخ العراق الجديد، فقد فتحت عينيها بعد زوال غمامة الديكتاتور وتعرضت لما تعرّض له الوطن من تهديدات بلغتْ ذروتها حين فجّر الإرهابيون شاحنة مفخخة فيها فمضى بعض زملائنا إلى بارئهم شهداء وجرح آخرون. لكننا واصلنا مسيرتنا برغم التشكيك والتخوين والتهديدات المتلاحقة، كما واصل العراق مسيرته برغم العراقيل التي اعترضتْ طريقه من قبل الأبعدين والأقربين.

غداً تشعل الصباح شمعتها الحادية والعشرين هي عمر التجربة العراقية في ظل نظام حكم ديموقراطيّ شابته الكثير من المنغصات واعتراه الوهن في بعض لحظاته لكنه الآن أصلب عوداً وأقوى شكيمة وأقدر على المضيّ بعيداً عن الأزمنة الغابرة التي كان يحكمها صوت واحد ورأي واحد هو صوت ورأي الديكتاتور.

لا أظنّ أن هناك جريدة قدّمت هذا العدد من القرابين في سبيل حرية الكلمة، ونحن إذ نستذكر شهداء الصباح بفخر واعتزاز كبيرين نعيد إلى الأذهان الهدف السامي الذي ضحى زملاؤنا من أجله، وهو أن تكون الصباح جريدة الدولة العراقية حقاً وصدقاً لا جريدة لحزب ولا لطائفة ولا لمكوّن اجتماعيّ معيّن بل هي من الناس وإليهم، ناطقة باسمهم ومعبرة عن همومهم وتطلعاتهم.

نحيي هنا كل من عمل في الصباح خلال مسيرتها المترعة بـ"المسرّات والأوجاع"، ونخص بالذكر الزملاء رؤساء التحرير السابقين الذين لم يدخروا جهداً في جعل الصباح صباحاً للعراقيين، ونخص بالذكر اثنين منهما رحلا عنّا هما الزميلان إسماعيل زاير وجمعة الحلفي رحمهما الله. أتذكر تلك الأيام التي كان مجرد الوصول إلى مقرّ جريدتنا كلّ يومٍ عملاً بطولياً، وحين كانت تمتلئ الشوارع المحيطة بنا بأصوات الرصاص ودوي التفجيرات، كنّا كثيراً ما نضطر إلى المبيت في الجريدة لإنجاز مهمتنا المتمثلة في تقديم رغيف صباحيّ يوميّ إلى القرّاء. كانت "الصباح" بيتنا في تلك الأيام ولم تزل كذلك.

شخصياً، أدين للصباح بالكثير، ففي أول يوم لي بعد عودتي إلى وطني سنة 2005 عملتُ فيها محرراً في صفحة آراء، ثم في صفحة ثقافة، ثم صرت مسؤول القسم الثقافيّ فيها وبعدها أصبحت سكرتيراً للتحرير وها انا أرأس تحريرها محتفظاً بتلك الرهبة التي أواجه بها نفسي كلّ يوم: ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه للناس؟ وكيف تحافظ على قدسية الكلمة وتوازن بين المسؤولية وحرية التعبير؟

منذ أول يوم لي في الصباح كنت أدرك أن الحرية هي عين المسؤولية. واليوم أنا في يقين من ذلك.

كل صباح وصباحنا صباح العراقيين.