الصباح وعبق الاستذكار

آراء 2024/05/21
...

وليد خالد الزيدي

حينما نستذكر مناسبة انطلاق صحيفة الصباح، حري بنا أن نتحدث عن مكانة هذا الإصدار الإعلامي الذي لامس بشكل مباشر حياة المواطن في كل ربوع الوطن، وجسد تطلعات أبناء العراق، متجاوزا كل المسافات بين ربوع الوطن، وقفز على كل المعوقات والصعوباب، لاسيما الأمنية التي كانت تشكل عوسجة بين أقدام الصحفيين الذين ما برحوا مواقع عملهم في أصعب الظروف وأخطر المواقف إبان فترة الاختلالات الأمنية في جميع مناطق البلاد، سواء كانت أثناء التفجيرات أو المواجهات المسلحة بين القوات الأمنية والجماعات المسلحة القادمة من الخارج، فضلا عن سوح الجهاد في معارك تحرير المدن من براثن الإرهابيين في محافظات ومدن ومناطق مختلفة، حيث وضعت الصباح جميع قرائها أمام مجريات الأحداث وواقع العمليات العسكرية وصور الجهاد البطولي، فكان العاملون فيها بمقدمة صفوف جنود الإعلام وأمام أرتال المدافعين عن سور الوطن.
بالرغم من ظهور المئات من الصحف والمجلات في العراق بعد عام 2003، سواء كانت مستقلة أو تابعة لأحزاب أو تيارات سياسية مختلفة، تميزت الصباح عنها من ناحية  سياستها والغاية من تأسيسها، فكان خطابها معبرا عن وحدة الشعب ووحدة المصير بعيدا عن التوجهات الطائفية أو العرقية أو الانتماءات الحزبية، حينما خط القائمون عليها على مدى الأعوام السابقة الأخبار و(المانشيتات) الرئيسية التي تترجم طموحات كل أبناء الشعب عناوين لها، ولتأخذ دورها المنشود في وحدة التوجهات السياسية والخطاب الوطني، وتبرز بشكل جلي مصالح أبناء العراق من دون تمييز أو تفريق، ورغم اقتران العمل الإعلامي بالمخاطر وتعرض العديد من الصحفيين للقتل والاختطاف، لكن قواعد وأخلاقيات مهنة الإعلام تمسك بها صحفيو الجريدة أثناء عملهم، وحتى المساهمون فيها من الكتاب الخارجيين تيقنوا من خطاب (الصباح) المستقل وغير المنحاز لجهة فئوية بحد ذاتها، عندما لازم هذا الخطاب على الدوام هموم المواطن العراقي أينما وجد وفي أي مكان حل في صورة مثالية، ولم تتخل عن النشر بمصداقية والتزام المهنية بعيدا عن الإسفاف والتبعية التي تعيق تنظيم العمل الإعلامي وسيره بشكل سليم.
الصباح منذ انبثاقها عام 2003 تميزت بنقل الأخبار بشكل حيادي ومستقل، كما عبرت عن الشارع العراقي وتطرقت إلى حاجات الناس واستحقاقاتهم، فكانت منبرا يجمع المثقفين والكتاب، ولسان حال القراء، ونقلت صور الحياة اليومية للمواطنين، مجسدة جوانب مختلفة من حياتهم بمآسيها وأفراحها، وقد أوصلت الرسائل الإعلامية بكل أمانة وصدق وجرأة إلى المسؤولين في دوائر الدولة ومؤسساتها بكل عناوينها وجميع مستوياتها، كما نقلت بالصورة والكلمة نشاطات وفعاليات الدوائر الأمنية والإنتاجية والخدمية وكل ما يخص الشعب وواقعه المعاش، فضلا عن إبراز الظواهر المجتمعية المريضة ووضعها أمام أصحاب الشأن، وإبراز تداعياتها المختلفة، بل أسهمت في أحيان كثيرة بتحديد أسبابها وتشخيص معالجتها وطرق الخلاص منها، وحتى إظهار الحالات المشرقة في الأداء والعمل أينما وجدت، فكانت بحق وما زالت داعمة للمواطن بمختلف نواحي الحياة.
العاملون في الصباح وهم يحتفلون بذكرى تأسيسها الحادية والعشرين، يصرون على المضي بالإبداع والأداء المهني، لتتصدر جريدتهم ساحة الإعلام، بروحية متجددة وأساليب متطورة، وهم عازمون على أن تحتل هذه النافذة الوطنية مركزا مرموقا ومميزا بين الصحف العربية والدولية، لتكون الذكرى وعبق الاستذكار انطلاقة متجددة وحقيقة لرسوخ العمل الصحفي ومواصلة صياغة الخطاب الوطني الذي يجسد إرادة جميع العراقيين.