د. حسين محمد الفيحان
ليس هناك حرية تعبير من دون حرية صحافة، فقد سميت الصحافة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة بـ السلطة الرابعة، لكنها لا تزال مقيدة، حتى أن الأمم المتحدة قد وضعت حرية الصحافة هذا العام تحت عنوان "الصحافة تحت الحصار"، بالتركيز على استهداف الصحفيين و تآكل ثقة العام بحرية التعبير التي يدعيها الكثير.
فناقوس الخطر دقته منظمة "مراسلون بلا حدود" بتقريرها السنوي وهي تكشف عن تزايد الضغوط السياسية على الصحافة في العالم وصعوبة ممارستها في معظم الدول،
فحرية الصحافة مهددة من قبل السلطات السياسية نفسها، التي ينبغي أن تكون ضامنة لها، وهو ما يعني أن الحكومات و الأحزاب و السلطات السياسية تتجاهل بشكل متزايد دورها في حماية حرية الصحافة و الصحفيين.
اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي مرت ذكراه قبل أيام قريبة، يهدف للتذكير بأن آلاف الصحفيين والمصورين يواجهون الخطر حول العالم، ومنهم من يعمل في فلسطين وتحديدا في قطاع غزة مع الحرب الإسرائيلية العدائية المندلعة ضد أهالي القطاع منذ أكثر من (200) يوم، وقد قتل فيها
أكثر من (140) صحفيا، منهم أكثر من (30) صحفيا أثناء قيامهم بواجبهم المهني، فيما أُصيب واعتقل عشرات المراسلين والمصورين، حتى أطلق على غزة بأنها "مقبرة الصحفيين"، بتعمد إسرائيل استهدافهم واعتقالهم وقتلهم مع سعيها لإعاقة عملهم على الأرض بكل الطرق، فليس غريباً على إسرائيل أن تغتال الكلمة فهي تغتال كل من يعارضها اذا وجدت انه يهدد وجودها
وتوسعها الاحتلالي.
الحرب الجارية على قطاع غزة وصفت بأنها الحرب الأكثر موتاً ووحشيةً على الصحفيين في التأريخ الحديث، فمنذ بداية الحرب والصور التي نراها عن قطاع غزة المدمر تأتي من صحفيين فلسطينيين أو مواطنين عاديين، بين التهديدات الأمنية وتدمير المكاتب وانقطاع الانترنت والكهرباء ونقص المياه والغذاء، هذه هي يوميات الصحفي الفلسطيني عبارة عن تحديات متواصلة.
الصحفيون الفلسطينيون يُغطون الحرب الجارية على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي، حيث أُضطُر اغلبهم للجوء إلى رفح التي يعيش بها قرابة المليون ونصف مليون فلسطيني، فهم يعملون من أمام المستشفى الكويتي، الذي يحصل بفضله الصحفيون على الكهرباء والأنترنت، مكاتبهم عبارة عن خيم أقيمت إلى جانب خيم النازحين من غزة، معتبرين عملهم أكثر من واجب مهني فهو تحدٍ وصمود لديهم.
رزية الصحفي "وائل الدحوح"، مراسل "الجزيرة" بفقده زوجته واثنين من أبنائه وحفيده في قصف إسرائيلي، كما تعرض هو إلى هجوم مسيرة إسرائيلية أدت إلى اصابته في يده وقتل زميله المصور، وبعد بضعة أسابيع استهدف ابنه "حمزة" الصحفي ذو السبعة والعشرين عاما، وفي كل مرة يعود الدحوح إلى شاشة الجزيرة مواصلاً مهمته الإعلامية، مما جعله رمزاً للصمود في العالم المنصف للقضية الفلسطينية.
كذلك العشرات من الصحفيين في غزة فقدوا منازلهم نتيجة القصف
الإسرائيلي، وقتلوا وأصيبوا
بجروح بليغة مع آثار نفسية صادمة، وباقي الصحفيين ما زالوا على قيد الحياة، لكن لا يعلمون هل سيظلون احياء أم سيُقتلون.
وهناك "غزيون" ناشطون ومؤثرون في مواقع تواصل اجتماعي، تحولوا بعد السابع من أكتوبر إلى مراسلي حرب مشتركين على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لنقل الرعب الذي يعيشه أهالي القطاع والجرائم الإسرائيلية بحق أبناء شعبهم، حتى أصبحوا مصدراً مهماً للمعلومات، فهم يودعون أطفالهم وعوائلهم عند خروجهم للتغطيات والعمل الصحفي.
مع الأسابيع الأولى للحرب العدائية على قطاع غزة، طالب العديد من الصحفيون الغربيون سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالسماح لهم بدخول قطاع غزة وتغطية الحرب، فسمحت لهم إسرائيل لكن من خلال مرافقة جيش الاحتلال فقط.
فجرائم إسرائيل ضد الصحفيين ترقى إلى جرائم حرب، فأين المحكمة الجنائية الدولية من ذلك؟.