هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للكراهية والتحريض على العنف

ريبورتاج 2024/05/22
...

 بدور العامري

انفلات وفوضى تشهدها منصات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن للشخص العادي أن يتلمسها قبل الخبير، تعليقات غير مسؤولة وأخرى تدعو إلى بث الكراهية والاحقاد، ليصل بعضها إلى تبرير القتل بكل أشكاله، وكأننا نعيش في غابة يحكمها القوي ليس بالعضلات، بل بالإفلات من المساءلة والعقاب.

النموذج السيئ

وبحسب الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي أن "غياب الرقابة الحقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي جعلها مصدرا لنشر الكراهية والحقد، ومجالا للتشويه والشائعات وغيرها، اذ باستطاعة أي شخص أن ينتحل اسما مستعارا وينشر أيَّ مواضيع يريد ويعلق، كيفما يشأ، ويعتقد الخفاجي أن مسألة مقتل إحدى الشخصيات المعروفة في وسائل التواصل الاجتماعي، هو امر عادي بالنسبة لظروف البلد، وما يعانيه من وضع امني مضطرب نوعا ما، لذلك نجد مقتل شخصيات سياسية أو دينية أو استهدافا لناشطين بين الحين والآخر"، مبينا، أن "من حق أي شخصٍ أن يفسر ما يراه بالطريقة الخاصة به، شرط عدم الإخلال بالقيم المجتمعية النبيلة والتجاوز على الحرمات، والمهم أن نعرف ويعرف الآخرون ما هي الرسائل المتوخاة من مثل هكذا أفعال". 

وتابع الخفاجي "اننا اليوم نعيش في ظل نمطين من الأفكار، الأول يمكن أن نسميه (حرق النموذج)، بمعنى استهداف للنماذج القيادية في المجتمع مثل الأساتذة ورجال الدين والشخصيات المثقفة، أما النمط الثاني، الذي يعمل على ترسيخ الفاسد، من خلال الدفاع عن المهرجين والفاسدين، ومن هم لا يملكون أيَّ قيمة اجتماعية". 

ويشاطر الخفاجي الرأي الاكاديمي والباحث الآثاري علي النشمي، اذ يقول "هناك استهداف متعمد للنخبة المثقفة في العراق منذ فترة، وما زال مستمرا العمل الممنهج على التقليل من شأن الشخصيات العلمية والطاقات المبدعة من جهة، واعلاء شأن شخصيات فارغة مثل  (الفاشنيستات) و(المستعرضات)، عن طريق متابعتهم وإعطائهم أهمية لا يستحقونها".

ويصف النشمي هذه الظاهرة بالخطيرة، كونها تنبئ بانهيار منظومة القيم المجتمعية، عن طريق الخلط ما بين الحابل والنابل.

دوافع وغايات

لقد وفرت مواقع التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لنشر أفكار الكراهية والتحريض على العنف، نتيجة لغياب الرقابة وعدم القدرة على الحصول على التأييد الكافي للسيطرة على مثل هكذا ممارسات، إذ تجد الأكاديمية والباحثة فاطمة الزهراء سعداوي: ان "هناك عددًا من الدوافع والأسباب، تجعل الفرد ينتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، أولها (المشكلات الاسرية)، وكما  يعرف الجميع أن الاسرة تمثل أكبر وحدة حماية واستقرار للأفراد، لكن في حال تعرض هذه الركيزة إلى اضطراب اجتماعي يتوجه الأبناء للبحث عن بديل آخر لتعويض الحرمان، الذي ينشأ نتيجة التفكك الأسري، أو غياب أحد الوالدين، كما تعتبر البطالة وعدم وجود عمل لدى الشباب من الأسباب، التي تدفعهم للبحث عن أي حلول للخروج من الوضع الراهن، بغض النظر سواء كانت صحيحة أو غير ذلك". 

وتضيف الباحثة، أن "هناك سببا اخر للتوجه نحو مواقع التواصل الاجتماعي وهو (الفراغ)، إذ يشكل سوء إدارة الوقت وعدم استثماره بالشكل الأمثل، من المشكلات التي تواجه الأشخاص في الوقت الحالي، لذلك يلجأ الفرد إلى استخدام هذه الوسائل لملء الفراغ، وبالتالي تصبح وسيلة للتسلية والترفيه وإضاعة الوقت، فضلا عن أسباب أخرى مثل الفضول وتكوين الصداقات، أو التسويق لأفكار أو منتجات 

معينة".

وتشير الدراسات الاجتماعية في هذا المجال إلى أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني، في مواجهة تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الكراهية والتحريض على العنف والحد منه، عن طريق تبني مبادرات توعوية وتثقيفية، بالتنسيق مع المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية والمنصات الرصينة على وسائل التواصل الاجتماعي، كي تشكل قوة رادعة للمنصات ذات المحتوى الهابط والسلبي.


قوانين وتشريعات

الخبير القانوني علي التميمي، يرى أن "هناك حاجة إلى قوانين وتشريعات جديدة، تعضِّد وتعزِّز المواد القانونية السابقة، باعتبار الجرائم والتجاوزات التي تحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، لها خصائص ومواصفات مختلفة عن تلك التي تحدث خارج العالم الافتراضي، اذ لا بد من توصيف نشر الكراهية والعنف والتجاوز على الثوابت الوطنية والأخلاقية بصورة واضحة مع تحديد العقوبة المناسبة لها". 

ويرى التميمي، إن "هناك انفلاتا كبيرا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يعد يفرق أغلب مستخدمي تلك المنصات بين النقد والانتقاد أو التحريض على الكراهية وتهديد المجتمع وغيرها، لذلك يجب وجود جهات رقابية تعمل على رصد تلك التجاوزات، وتقديمها للجهات القضائية، لاتخاذ ما يلزم بحقها من الإجراءات 

القانونية". 

وأوضح التميمي "يمكن تعريف خطاب الكراهية على أنه كل توجه أو حديث، وكل نشر أو قول، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، يهدف إلى إحداث الفتنة والتمييز والبغضاء والقلاقل بين صفوف المجتمع، اذ يحتوي الدستور العراقي على مادتين أكدتا نبذ كل صور نشر الكراهية والطائفية، وهما المادة رقم 7 والمادة 42، والتي تنصان على (ان الناس أحرار في توجهاتهم الفكرية والاجتماعية والدينية)". 

وتابع التميمي "كما أن قانون العقوبات العراقي النافذ، يتضمن الكثير من المواد، التي تعاقب على مثل هكذا تصرفات بعقوبات مختلفة تصل بعضها بالسجن، لمدة سبع سنوات باعتبارها جناية، ثم جاء قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، حيث وصف هذه الممارسات "بالأعمال الإرهابية التي تصل عقوبتها إلى حد الإعدام". 

اما في مجال القوانين الدولية بيَّن التميمي، أن "هناك العديد من الاتفاقيات الدولية تمنع التحريض على العنف والكراهية والطائفية، وانتهاك حقوق الانسان، ومنها الاتفاقية الصادرة سنة 1969 وصادق عليها العراق عام 1970".