علي حسن الفواز
أثارت إجراءات المحكمة الجنائية الدولية جدلاً عاصفاً بين صنّاع السياسة في الولايات المتحدة، ووضعت جنرالات الحرب في الكيان الصهيوني أمام الواقعية الدولية، فـ "نتن ياهو" و "غالانت" سيجدان نفسيهما في وضع أخلاقي مأزوم بوصفهما مجرمي حرب، وأن إصدار مذكرة اعتقال بحقهما كشف للعالم طبيعة الجرائم العنصرية التي ارتكباها في غزة، حيث طالب "كريم خان" المدعي العام للمحكمة" بإصدار الأوامر باعتقالهما بعد ثبوت الأدلة، مثلما كشفت عن أزمة "العقل السياسي الأميركي" الذي ظلّ يدعم هذه الجرائم، وتحت أوهام "الدفاع عن النفس" التي لم تأخذ بها المحكمة، وأقرّت بأن ما يحدث في غزة هي جرائم حرب، وينبغي أن يُقدّم مرتكبوها إلى المحاكم المختصة.
دفع هذا القرار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى انتقاده بعبارات حادة، فضلاً عن تشكيك رئيس الدبلوماسية الأميركية انتوني بيلكن بمصداقيته، رغم أن ما جرى كان واضحاً، وعبر جلسات عدة أدارها قضاة مختصون بجرائم الحروب، كشفوا عن حجم الدمار والقتل الذي راح ضحيته أكثر من 35 ألف مواطن أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، ومن كوادر المؤسسات الصحية والجهات الدولية.
خطورة تأثير هذا القرار تجاوزت الخطوط الحمر التي ظلّ يتحصّن بها الصهاينة، فكشف عن فضائحهم، ووضعهم أمام الرأي العام العالمي، وهو ما دعا بعض الجهات إلى المراوغة الدبلومسية هروباً من الحقيقة، فطالب وزير الخارجية الإيطالي انتونيو تاياني بتوخِّي الحذر في" إضفاء شرعية على " المواقف المعادية –لإسرائيل- التي يمكن أن تُغذّي الظاهرة المعادية للسامية" ومن جانب آخر دعت الصين إلى " أن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقعها الموضوعي وغير المنحاز وتمارس صلاحياتها تماشياً مع القانون، مع الدعوة لوضع العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني" .
هذه المواقف المتعددة، تؤكد على حقيقة العدوان الصهيوني، وأن مجرمي الحرب باتوا في "القائمة السوداء" أسوة بمجرمي النازية في الحرب العالمية الثانية، مثلما دعت فرنسا إلى " ضرورة الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، بخاصة المستوى غير المقبول للضحايا المدنيين في قطاع غزة وعدم وصول المساعدات الإنسانية بشكل كاف".
وبهذا فإن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني قد فقدا كثيراً من أورقهم، وهو ما سيدعوهما لممارسةِ كثير من الضغط على المحكمة، وربما سيقوم الرئيس الأميركي بفرض عقوبات عليها، لأنها فرضت سلطتها على الجميع، وخطت خطوة حقيقية باتجاه تعرية جرائم الحرب في غزة، وإدانة مجرمي الكيان، ومسؤولياتهم عن المجازر وعن التدمير والتهجير والقتل العبثي.