أحمد عبد الحسين
إعلان ثلاث دول أوروبية هي إسبانيا والنرويج وأيرلندا اعترافها بدولة فلسطينية كاملة الاستقلال، سابقة محمودة ومضيئة ستكون لها لواحق قريباً. لأنّ هذا الباب كان بانتظار اليد الجريئة التي تفتحه، وها قد فُتح.
الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان العنصريّ دون هوادة كشفتْ للأوروبيين أنّ «إسرائيل» أقلّ ملائكية مما صوّرتْ لهم خيالاتهم وماكينة إعلامهم الشغالة بدأب لتغطية عورات هذا الكيان منذ قرن كامل. والمواطن الأوروبي، خصوصاً ممن هو في سن الشباب، فتح عينيه اليوم على مشهدين متنافرين لا لقاء لهما، الأول: هو تلك الصورة النمطية التي ورثها عن دولة هي الديموقراطية الوحيدة في شرق مجدب والتي يريد العرب الفتك بها، أما المشهد الثاني فهو ما يراه بعينيه من أقبح ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من شرور وتعطُّش للدم وقتل منصوص عليه في كتب صفراء وإبادة لغرض إرضاء معتقد هو أحطّ ما أنجبه التوحش البشري.
مشهدان يتركان من ينظر إليهما حائراً بين تصديق عينيه وعقله أو تصديق أسطورة اشتغلتْ عليها شياطين الإنس باحتراف. ومما نراه في جامعات العالم، ومنها جامعات أوروبا، نعرف أنّ هذا الجيل يقف في مهبّ عاصفة لا تهدأ من المعلومات تأتيه من كل جانب، وهو لم يعد ساكناً بانتظار معلومة تأتيه معلَّبة في فيلم مدفوع الثمن أو في نشرة إخبارية منحازة. فقد تخلص الشاب الغربيّ من حاجته إلى دليل إلى الحقيقة منذ أن صارت الحقائق كلها في يده «حرفياً» مادام هاتفه النقال بيده.
لا أظن أن الحكومات الأوروبية ستقف في وجه شبّانها مكابرة، ولا أظنها ستخسر مصداقيتها أمام أجيالها الجديدة بغية إرضاء كيان يقول للعالم كل يوم إنه النسخة الجديدة من النازية.
هذه الخطوة ستعقبها خطوات، وكثير من الدول تقف الآن على العتبة بعد أن فتح الباب، لأن قرارات صادمة للثوابت كهذه تبدو مستحيلة في غياب المبادر الذي يجرؤ على اتخاذها، لكنها تغدو سلسلة تنفرط كحبات المسبحة بعد أن تكون اليد القوية الجريئة قد فعلت ما كان مستحيلاً.
أوروبا قالت أمس إنّ شيئاً ما يجب أن يتغيّر، شيئاً يتعلق بنمط تفكيرهم وبثوابتهم التي ظهر أنها أقل وثوقية مما يظنون.